زعموا أن لهم أنبياء وملوكا ، أولهم كيومرث. وكان أول من ملك الأرض ، وكان مقامه باصطخر (١). وبعده أوشهنك (٢) بن فراوك ، ونزل أرض الهند ، وكانت له دعوة ثمة ، وبعده طمهورث (٣) ، وظهرت الصابئة في أول سنة من ملكه. وبعده أخوه جم (٤) الملك ، ثم بعده أنبياء وملوك منهم منوجهر (٥) ، ونزل بابل وأقام بها. وزعموا أن موسى عليهالسلام ظهر في زمانه ، حتى انتهى الملك إلى كشتاسب بن لهراسب ، وظهر في زمانه زردشت الحكيم.
وزعموا أن الله عزوجل خلق من وقت ما في الصحف الأولى ، والكتاب الأعلى من ملكوته خلقا روحانيا. فلما مضت ثلاثة آلاف سنة أنفذ مشيئته في صورة من نور متلألئ على تركيب صورة الإنسان ، وأحفّ به سبعين من الملائكة المكرمين ، وخلق الشمس والقمر والكواكب والأرض ، وبني آدم غير متحركة ثلاثة آلاف سنة ثم جعل روح زردشت في شجرة أنشأها في أعلى عليين. وأحف بها سبعين من الملائكة المكرمين ، وغرسها في قلة جبل من جبال أذربيجان يعرف باسمو يذخر.
ثم مازج شبح زردشت بلبن بقرة فشربه أبو زردشت فصار نطفة ثم مضغة في رحم أمه ، فقصدها الشيطان وعيرها ، فسمعت أمه نداء من السماء فيه دلالة على برئها فبرئت ، ثم لما ولد ضحك ضحكة تبينها من حضر. فاحتالوا على زردشت حتى وضعوه بين مدرجة البقر ، ومدرجة الخيل ، ومدرجة الذئب ، فكان ينهض كل واحد
__________________
(١) اصطخر : بلدة بفارس. قيل : كان أول من أنشأها اصطخر بن طهمورث ملك الفرس. وطهمورث عند الفرس بمنزلة آدم. (معجم البلدان ١ : ٢١١).
(٢) يلقب ببشداد ومعناه النور. وقيل معناه أول حاكم بالعدل وتزعم الفرس أنه بعد آدم بمائتي سنة وكان ملكه أربعين سنة. وتقول الفرس إنه ملك الهند. (ابن خلدون ١ : ٢٢٩).
(٣) قال ابن الكلبي إنه أول ملوك بابل وكان محمودا في ملكه. (ابن خلدون ١ : ٢٢٩).
(٤) جم وهو جمشيد وجم هو القمر وشيد هو الشعاع. استقام أمره ثم بطر النعمة. (ابن خلدون ١ : ٢٣٠).
(٥) منوجهر : سماه ابن خلدون منوشهر الملك ابن منشحر بن ايرج من نسل أفريدون. ثار عليه افراسياب ملك الترك فغلبه على بابل وملكها. (ابن خلدون ٢٣٢).