حكى الوراق أن قول المزدكية كقول كثير من المانوية في الكونين ، والأصلين. إلا أن مزدك كان يقول : إن النور يفعل بالقصد والاختيار. والظلمة تفعل على الخبط والاتفاق. والنور عالم حساس ، والظلام جاهل أعمى. وأن المزاج كان على الاتفاق والخبط ، لا بالقصد والاختيار ، وكذلك الخلاص إنّما يقع بالاتفاق دون الاختيار.
وكان مزدك ينهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال. ولما كان أكثر ذلك إنما يقع بسبب النساء والأموال ، أحل النساء وأباح الأموال ، وجعل الناس شركة فيهما كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ ، وحكى عنه أنه أمر بقتل الأنفس ليخلصها من الشر ومزاج الظلمة.
ومذهبه في الأصول والأركان أنها ثلاثة : الماء والأرض والنار. ولما اختلطت حدث عنها مدبر الخير ، ومدبر الشر ، فما كان من صفوها فهو مدبر الخير ، وما كان من كدرها فهو مدبر الشر.
وروى عنه : أن معبوده قاعد على كرسيه في العالم الأعلى ، على هيئة قعوده خسرو (١) في العالم الأسفل ، وبين يديه أربع قوى : قوة التمييز ، والفهم ، والحفظ ، والسرور ، كما بين يدي خسرو أربعة أشخاص : موبذ موبذان (٢) ، والهربذ (٣) الأكبر ، والأصبهبذ (٤) ، والرامشكر (٥). وتلك الأربع يدبرون أمر العالم بسبعة من ورائهم : سالار ، وبيشكار ، وبالون ، وبراون ، وكازران ، ودستور ، وكوذك. وهذه السبعة تدور في اثني عشر روحانيين : خواننده ، ودهنده ، وستاننده ، وبرنده خورنده ، ودونده ، وخيزنده ، وكشنده ، وزننده ، وكننده ، وآينده ، وشونده ، وباينده.
وكل إنسان اجتمعت له هذه القوى الأربع ، والسبع ، والاثنا عشر : صار ربانيا
__________________
(١) مات لستين سنة من ملكه. (راجع ترجمته عند ابن خلدون ١ : ٢٣٦).
(٢) الموبذان : فقيه الفرس وحاكم المجوس كقاضي القضاة عند المسلمين.
(٣) الهرابذة : فارسي معرّب ، وهم عظماء الملّة وعلماؤها أو خدم نار المجوس.
(٤) الأصبهبذ : رئيس الجنود.
(٥) الرامشكر : هو رئيس المعبد.