الثانية : أنه أثبت إرادات (١) لا محل لها ، يكون الباري تعالى مريدا بها. ـ وهو أول من أحدث هذه المقالة ، وتابعه عليها المتأخرون.
الثالثة : قال في كلام الباري تعالى إن بعضه لا في محل وهو قوله : (كُنْ) وبعضه في محل الأمر ، والنهي ، والخبر والاستخبار. وكان أمر التكوين عنده غير أمر التكليف.
الرابعة : قوله في القدر مثل ما قاله أصحابه ، إلا أنه قدري الأولى جبريّ الآخرة. فإن مذهبه في حركات أهل الخلدين (٢) في الآخرة أنها كلها ضرورية لا قدرة للعباد عليها. وكلها مخلوقة للباري تعالى ؛ إذ لو كانت مكتسبة للعباد لكانوا مكلفين بها.
الخامسة : قوله إن حركات أهل الخلدين تنقطع ، وأنهم يسيرون إلى سكون دائم خمودا. وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة ، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار. وهذا قريب من مذهب جهم ، إذ حكم بفناء الجنة والنار (٣) ، وإنما التزم أبو الهذيل هذا المذهب لأنه لما ألزم في مسألة حدوث العالم ؛ أن الحوادث التي لا أول لها كالحوادث التي لا آخر لها ، إذ كل واحدة لا تتناهى ؛ قال :
__________________
ـ والثاني : الموصوف بالشيء لمعنى صار مختصا بذلك المعنى لحال.
والثالث : ما يستحقّه لا لنفسه ولا لمعنى ، فيختصّ بذلك الوصف دون غيره عنده الحال).
(وزعم أن أحوال الباري عزوجل في معلوماته لا نهاية لها ، وكذلك أحواله في مقدوراته لا نهاية لها ، كما أن مقدوراته لا نهاية لها ... وقالوا له : هل أحوال الباري من عمل غيره أم هي هو؟ فأجاب : بأنها لا هي هو ولا غيره ...).
(١) جاء في «مقالات الإسلاميين» ١ : ١٨٩ : (أصحاب أبي الهذيل يزعمون أن إرادة الله غير مراده وغير أمره ، وأن إرادته لمفعولاته ليست بمخلوقة على الحقيقة ، بل هي مع قوله لها كوني خلق لها ، وإرادته للإيمان ليست بخلق له وهي غير الأمر به ، وإرادة الله قائمة لا في مكان).
وحول هذا الموضوع راجع المصدر نفسه ٢ : ٥١١ و ٥١٢ و ١ : ٥١٠.
(٢) الخلد : دوام البقاء في دار لا يخرج منها. ودار الخلد الآخرة لبقاء أهلها فيها. وأهل الخلدين من يخلدون في الجنة ومن يخلدون في النار.
(٣) يريد بهذا القول بفناء مقدورات الله عزوجل حتى لا يكون بعد فناء مقدوراته قادرا على شيء.