إليه فعلا ؛ ففي تجويز وقوع القبيح منه قبح أيضا ، فيجب أن يكون مانعا. ففاعل العدل لا يوصف بالقدرة على الظلم (١). وزاد أيضا على هذا الاختباط فقال : إنما يقدر على فعل ما يعلم أن فيه صلاحا لعباده. ولا يقدر على أن يفعل بعباده في الدنيا ما ليس فيه صلاحهم. هذا في تعلق قدرته بما يتعلق بأمور الدنيا.
وأما أمور الآخرة فقال : لا يوصف الباري تعالى بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل النار شيئا ، ولا على أن ينقص منه شيئا. وكذلك لا ينقص من نعيم أهل الجنة ولا أن يخرج أحدا من أهل الجنة وليس ذلك مقدورا له. وقد ألزم عليه أن يكون الباري تعالى مطبوعا مجبورا على ما يفعله. فإن القادر (٢) على الحقيقة من يتخير بين الفعل والترك. فأجاب إن الذي ألزمتموني في القدرة يلزمكم في الفعل ، فإن عندكم يستحيل أن يفعله وإن كان مقدورا ؛ فلا فرق ، وإنما أخذ هذه المقالة من قدماء الفلاسفة حيث قضوا بأن الجواد لا يجوز أن يدخر شيئا لا يفعله. فما أبدعه وأوجده هو المقدور ؛ ولو كان في علمه تعالى ومقدوره ما هو أحسن وأكمل مما أبدعه نظاما وتركيبا وصلاحا لفعله.
الثانية : قوله في الإرادة : إن الباري تعالى ليس موصوفا بها على الحقيقة (٣).
__________________
(١) وقد أكفرته البصرية من المعتزلة في هذا القول وقالوا : إن القادر على العدل يجب أن يكون قادرا على الظلم ، والقادر على الصدق يجب أن يكون قادرا على الكذب ، وإن لم يفعل الظلم والكذب لقبحهما ولغناه عنهما ولعلمه بغناه عنهما لأن القدرة على الشيء يجب أن تكون قدرة على ضدّه .. ولزم في قوله أن الله تعالى لا يقدر على الظلم والكذب أنه لا يقدر على الصدق والعدل والقول بهذا كفر فما يؤدي إليه مثله. (راجع الفرق بين الفرق ص ١٣٤ طبعة دار المعرفة).
(٢) قال إبراهيم النظام : إن ما يقدر الله عليه من اللطف لا غاية له ولا كل. وإن ما فعل من اللطف لا شيء أصلح منه إلّا أن له عند الله سبحانه أمثالا ، ولكل مثل مثل ، ولا يقال يقدر على أصلح مما فعل أن يفعل ، ولا يقال يقدر على دون ما فعل أن يفعل لأن فعل ما دون نقص ، ولا يجوز على الله عزوجل فعل النقص. ولا يقال يقدر على ما هو أصلح ، لأن الله سبحانه لو قدر على ذلك ولم يفعل كان ذلك بخلا. (راجع مقالات الإسلاميين ٢ : ٥٧٦).
(٣) معتزلة البصريين وأهل السنة يخالفونه في هذا ، وهم يعتقدون أن الله عزوجل مريد على الحقيقة غير أن أهل السنة قالوا : إنه لم يزل مريدا بإرادة أزلية. ومعتزلة البصرة إنه مريد بإرادة حادثة لا في محل وهم وأهل السنة قد أكفروا من نفى إرادة الله عزوجل. (الفرق بين الفرق).