ما لابن سينا من إجلال وإكبار في نفسه. وأخيرا ذكر آراء حكماء الهنود ، ومعتقدات البراهمة وما ذهبوا إليه من قدم العالم.
هذا مختصر ما جاء في كتاب الشهرستاني الذي قال فيه : «أردت أن أجمع ذلك في مختصر يحوي جميع ما تديّن به المتدينون وانتحله المنتحلون عبرة لمن استبصر ، واستبصارا لمن اعتبر».
فقد تحدّث الشهرستاني عن كل ذلك دون أن يغفل النواحي التاريخية لكل فرقة وشعبة وفيلسوف وعالم بعبارات سلسة ولغة رصينة ، فجاء الكتاب فريدا في بابه ، لأنه عمدة في هذا الموضوع وموسوعة مختصرة للأديان والمذاهب والفرق ، بل للآراء والفلسفة المتعلقة بما وراء الطبيعة التي عرفت في عصر المؤلّف.
وعلى الرغم من أن المسلمين قد اهتموا بدراسة الأديان والمذاهب للردّ على أصحابها وألّفوا في ذلك كتبا ، ككتاب «مقالات الإسلاميين» لأبي الحسن الأشعري ، وكتاب «الفرق بين الفرق» لعبد القاهر البغدادي ، وكتاب «الفصل في الملل والنحل» لابن حزم الظاهري ، وكتاب «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة» للبيروني ، وغيرها من الكتب التي وضعت في الردّ على النصارى واليهود ،. أو في ردّ بعض الفرق الإسلامية على بعضها الآخر ، على الرغم من كل ذلك فإن كتاب «الملل والنحل» للشهرستاني مع صغر حجمه فإنه يمتاز عنها جميعا بغزارة المادة وشموليتها ويمتاز بالاستقصاء في البحث ، والدّقة والتحقيق في الموضوعات التي يتناولها ، والاعتدال في الأحكام التي يصدرها ، حيث لا تأتي عن ميل أو هوى مؤكدا ذلك في قوله : «وشرطي على نفسي أن أورد مذهب كل فرقة على وحدته في كتبهم ، من غير تعصّب لهم ، ولا كسر عليهم». ولهذا يقول عنه الإمام السبكي : «هو عندي خير كتاب صنّف في هذا الباب ، ومصنّف ابن حزم ، وإن كان أبسط منه ، إلّا أنه مبدّد ليس له نظام ... ثم فيه من الحطّ على أئمة السنّة ونسبة الأشاعرة إلى ما هم براء منه ما يكثر تعداده. ثم إن ابن حزم نفسه لا يدري علم الكلام حقّ الدراية على طريقة أهله ...».