في توسيع شقّة الخلاف بين المسلمين ، الذين استوعبوا أعدادا كبيرة من العناصر غير العربية التي لم تتخلّ عن تراثها الخاص وشخصيتها التقليدية ، وحتّى عن مزاجها المختلف ، حيث انعكس ذلك كلّه على هؤلاء المسلمين غير العرب ، الذين لم يعدموا تأثيرا مباشرا أم غير مباشر على الإسلام بشكل عام ، خصوصا إبّان بدء الحكم العبّاسي الذي أصبح مقرّه أكثر قربا من التجمع الرئيسي لهؤلاء في المشرق ، وشهدت عهوده الأولى ظهور الفرق الأساسية وتشعباتها مسبوقة بمناخ فكري خاص ، كانت قد أسهمت في تكوينه حركة الترجمة والتيارات الثقافية والفلسفية التي رافقتها وانعكست بمجملها على الفكر الديني في الإسلام وخروجه من بيئته الحضارية الخاصة واشتباكه بتلك الحضارات المجاورة التي كان لها تأثيرها المتفاوت في العديد من الفرق الإسلامية.
والشهرستاني ـ في كتابه هذا ـ بعد أن تحدّث عن هذه الفرق جميعها ، وعن النواحي التاريخية لكل فرقة وشعبة ، وما لها من آراء ومعتقدات ، أخذ في سرد الملل غير الإسلامية ومقالات أهل العالم من أرباب الديانات والشرائع ، وأهل الأهواء والنحل ، والوقوف على مصادرها ومواردها وشواردها ، فذكر أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وتحدث عن أشهر فرقهم ، ثم ذكر من لهم شبهة كتاب فتحدّث عن المجوسية والمانوية والمزدكية وسائر فرقهم ، ثم عدّد بيوت النيران وبناتها وأماكنها وما ذهب إليه القوم من تعظيمها ، وانتقل بعد ذلك إلى الكلام على أهل الأهواء والنحل ـ وفي مذهبه أنهم يقابلون أرباب الديانات والملل تقابل التضاد ـ فأخذ في ذكر الصابئة وشرح تعصّبهم للروحانيات ، وفصّل آراءهم وأقاويلهم ، وما أجابت به الحنفاء على مزاعمهم. ثم انتقل للحديث على الحرنانيين وطريقتهم ، وما عبدوه من النجوم ، وما استندوا إليه في التنجيم ، وتحدّث بعد ذلك على فلاسفة اليونان وما ذهبوا إليه وما أظهروه من الطبيعيات والإلهيات والرياضيات ، فأخذ يقارن بين هؤلاء الفلاسفة وحكماء العرب وحكماء البراهمة الهنود ، ورأى أن فلاسفة الإسلام جميعا سلكوا طريقة أرسطو طاليس واحتذوها في فلسفتهم. ثم أظهر