القول بنفي الصفات ، ونفي القدر خيره وشره من الله تعالى ، والتكفير والتضليل على ذلك وانفرد عن أصحابه بمسائل :
منها أنه قال : إن الله تعالى لم يخلق شيئا غير الأجسام (١) ، فأما الأعراض فإنها من اختراعات الأجسام ، إما طبعا كالنار التي تحدث الإحراق ، والشمس التي تحدث الحرارة والقمر الذي يحدث التلوين. وإما اختيارا كالحيوان يحدث الحركة والسكون والاجتماع والافتراق. ومن العجب أن حدوث الجسم وفناءه عنده عرضان ، فكيف يقول إنهما من فعل الأجسام؟ وإذا لم يحدث الباري تعالى عرضا فلم يحدث الجسم وفناءه؟ فإن الحدوث عرض ، فيلزمه أن لا يكون لله تعالى فعل أصلا ، ثم ألزم أن كلام الباري تعالى إما عرض أو جسم ؛ فإن قال هو عرض فقد أحدثه الباري ، فإن المتكلم على أصله هو من فعل الكلام. أو يلزمه أن لا يكون لله تعالى كلام هو عرض. وإن قال : هو جسم فقد أبطل قوله إنه أحدثه في محل ، فإن الجسم لا يقوم بالجسم ، فإذا لم يقل هو بإثبات الصفات الأزلية ، ولا قال بخلق الأعراض ؛ فلا يكون لله تعالى كلام يتكلم به على مقتضى مذهبه ، وإذا لم يكن له كلام لم يكن آمرا ناهيا ، وإذا لم يكن أمر ونهى لم تكن شريعة أصلا ، فأدى مذهبه إلى خزي عظيم.
ومنها أنه قال إن الأعراض لا تتناهى (٢) في كل نوع ، وقال كل عرض قام بمحل فإنما يقوم به لمعنى أوجب القيام ، وذلك يؤدي إلى التسلسل (٣) ، وعن هذه
__________________
(١) هذا خلاف قوله تعالى : (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) وخلاف قوله تعالى في صفة نفسه : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (راجع مقالات الإسلاميين في شأن هذه القضية ٢ : ٥٤٨).
(٢) قوله بحدوث أعراض لا نهاية لها يؤدّيه إلى القول بأن الجسم أقدر من الله لأن الله عنده أنه خلق غير الأجسام ، وهي محصورة عندنا وعنده ، والجسم إذا فعل عرضا فقد فعل معه ما لا نهاية له من الأعراض ومن خلق ما لا نهاية له ينبغي أن يكون أقدر ممّا يخلق إلّا متناهيا في العدد. (راجع الفرق بين الفرق ص ١٥٣).
(٣) في قوله إلحاد من وجهين : أحدهما قوله بحوادث لا نهاية لها ، وهذا يوجب وجود حوادث لا يحصيها الله تعالى وذلك عناد لقوله : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً). والثاني أنه يؤدي إلى القول بأن الإنسان أقدر من الله تعالى. (راجع الفرق بين الفرق ص ١٥٣).