ومؤاخذتهما على ذلك ، واستبطاؤهما ، وتكليف الجماد السعيّ ، وذمّ الغير على ما لا تعلّق له به ، بأن يذمّه على كون الكواكب في السماء ، وحصول المدّ والجزر بالبصرة دون بغداد.
وأمّا استناده إلى العقل ، فلأنّا إذا راجعنا عقولنا وفرضناها خالية عن الشرع ، ونظرنا هل ينتفي العلم بقبح ما ذكرناه كما ينتفي العلم بقبح شرب الخمر ، وبيع درهم بدرهمين؟ فنعلم قطعا انتفاء الثاني دون الأوّل ، فيكون الحاكم به مجرّد العقل.
الثاني عشر : لو كانا شرعيّين ، لجوّزنا من أمّة عظيمة لا تعرف جهة الشرع التمسّك بعقولها ، فلا تفرّق بين من أحسن ومن أساء في استحقاق المدح والذمّ ، كما لا نفرّق بين حركة الإصبع يمنة ويسرة.
ويجوز أن يكون من أساء إليها هو الممدوح ، ومن أحسن هو المذموم ، بل هو أقرب ممّا يعتقده الخصم من أنّ أهل الهند ومن ضارعهم ممّن لا يعتقد الشرائع ، إذا حكم بحسن الحسن وقبح القبيح ، فإنّه لشبهة دخلت عليه ، لكن لو أخبرنا من شاهد أنّه على مثل الاعتقاد الأوّل ، لسارعنا إلى تكذيبه ، فدلّ على أنّ ذلك مقرّر في بداية العقول.
الثالث عشر : حكم أكثر العقلاء بقبح الظلم وحسن الصدق في كلّ زمان ، وفي كلّ صقع ، لا يخلو إمّا أن يكون علما ضروريّا ، أو استدلاليّا ، فيلزم المطلوب ، أو لا يكون علما ، فكان (١) من المحال اتّفاق الأمم العظيمة عليه ، قرنا بعد قرن ، كما لا يجوز أن يجمعوا على قبح شرب الخمر والزنا ، وليسوا أصحاب شريعة.
__________________
(١) في «أ» : وكان.