ثمّ لو لزم من العلم الوجوب وانتفاء القدرة ، لثبت ذلك في حقّه تعالى ، فانتفى اختياره ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وأما تكليف أبي لهب بالإيمان ، فنمنع أنّه أخبر بأنّه لا يؤمن.
وقوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ)(١) إلى آخرها ، لا يدلّ على أنّه لا يؤمن ، ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون ما ذكره في هذه السورة إنّما يتناوله بشرط خروجه من الدنيا كافرا ، وإلّا لكانت الآيات المتناولة لوعيد الكفّار ، متناولة لكلّ كافر ، سواء تاب أو لم يتب ، وهو باطل إجماعا.
الثاني : أن تكون هذه السورة نزلت بعد موته ، إذ لو كانت قد نزلت في حياته لقال: وما يغني عنه ماله.
سلّمنا ، لكنّه كلّفه من حيث إنّه كان مختارا ، أو الإخبار بعدم الإيمان لا ينافي القدرة ، كما قلناه في العلم ، فإنّ الإخبار بعدم الإيمان ، إنّما هو من حيث العلم الّذي لا ينافي المكنة.
ثمّ كيف يصحّ القول بالتكليف بالمحال مع قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(٢) إلى غير ذلك من الآيات.
وعن السّابع : المقتضي للقبح هو الخبر المعقول مع عدم المطابقة ، ولا استبعاد في كون العدميّ جزءاً من علّة الأمر الاعتباري.
على أنّا قد بيّنا أنّ القبح أمر عدميّ ، أو نجعله شرطا في القبح ، والشرط لا مدخل له في التأثير.
__________________
(١) المسد : ١.
(٢) البقرة : ٢٨٦.