إمّا من واحد أو جماعة تواطئوا على وضع هذه الألفاظ لمعانيها ، ثمّ عرّفوا غيرهم بذلك الوضع بالإشارات والقرائن كالأطفال والاخرس الّذين يتعلّمون الوضع بسبب التكرار.
وقال آخرون : بعضها اصطلاحيّ وبعضها توقيفيّ ، واختلفوا ، فقال الأستاذ أبو اسحاق (١) : القدر الضروريّ الّذي يقع به الاصطلاح توقيفيّ ، والباقي اصطلاحيّ.
وقال آخرون بالعكس وانّ ابتداء اللّغات بالاصطلاح والباقي بالتوقيف.
والجمهور من المحقّقين توقّفوا هنا ، وهو اختيار القاضي أبي بكر (٢) ، والغزّالي (٣).
وجزم الجميع بإبطال قول عبّاد ، لأنّ الألفاظ لو دلّت بالذات لامتنع اختلافها باختلاف الأمم في الأصقاع والأزمان ، ولا اهتدى كلّ واحد إلى كلّ وضع ، وهو معلوم البطلان ، ولأنّا نعلم بالضرورة أنّا لو وضعنا لفظة الكتاب لمعنى الدار وبالعكس أمكن ودلّت اللّفظتان كما دلّتا في اللغة.
احتجّ بأنّه لو لا المناسبة الطبيعيّة بين اللّفظ ومعناه ، لكان اختصاصه بذلك المعنى ترجيحا من غير مرجّح. (٤)
__________________
(١) أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الاسفراييني المعروف بالأستاذ الملقب بركن الدين ولد في أسفرايين ـ بين نيسابور وجرجان ـ ثم خرج إلى نيسابور وبنيت له فيها مدرسة عظيمة فدرّس فيها ، له رسالة في أصول الفقه ، توفي سنة ٤١٨ ه. لاحظ الاعلام للزركلي : ١ / ٦١.
(٢) التقريب والارشاد : ١ / ٣٢٠.
(٣) المستصفى : ٢ / ١٠.
(٤) الاستدلال للعبّاد بن سليمان الصميري ، نقله الرازي في محصوله : ١ / ٥٨.