سمّي أصول الشافعيين أو أصول المتكلّمين ، كان اتّجاها نظريا خالصا ، وكانت عناية الباقين فيه متّجهة إلى تحقيق القواعد وتنقيحها من غير اعتبار مذهبيّ ، بل يدلّ انتاج أقوى القواعد ، سواء أكان يؤدّي إلى خدمة مذهبهم أم لا يؤدّي ـ إلى أن قال ـ وقد كثرت في هذا المنهاج ، الفروض النظريّة والمناحي الفلسفيّة والمنطقيّة ، فتجدهم قد تكلّموا في أصل اللغات ، وأثاروا بحوثا نظرية ، ككلامهم في التحسين العقلي والتقبيح العقلي ، مع اتّفاقهم جميعا على أنّ الأحكام في غير العبادات معلّلة معقولة المعنى.
ويختلفون كذلك في أنّ شكر المنعم واجب بالسمع والعقل ، مع اتّفاقهم على أنّه واجب.
وهكذا يختلفون في مسائل نظريّة لا يترتب عليها عمل ، ولا تسن طريقا للاستنباط ، ومن ذلك اختلافهم في جواز تكليف المعدوم. (١)
بل إنّهم لم يمتنعوا عن أن يخوضوا في مسائل من صميم علم الكلام ، ولا صلة لها في الفقه إلّا من ناحية أنّ الكلام فيها كلام فيها كلام في أصل الدين ، ومن ذلك كلامهم في عصمة الأنبياء قبل النبوّة ، فقد عقدوا فصلا تكلّموا فيه في عصمة الأنبياء قبل النبوة». (٢)
ثمّ أضاف وقال : وإنّ ذلك الاتّجاه أفاد علم الأصول في الجملة ، فقد كان البحث فيه لا يعتمد على تعصّب مذهبي ، ولم تخضع فيه القواعد الأصوليّة للفروع المذهبيّة ، بل كانت القواعد تدرس على أنّها حاكمة على الفروع ، وعلى
__________________
(١) الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ١ / ٢١٩.
(٢) أصول الفقه لأبي زهرة : ١٦.