وعن الثالث : يجوز أن يكون قد أراد ذلك منهم ، لأنّ في علمهم بإرادته ذلك منهم ، زيادة مسرّة ، ولا يمتنع أن يكون ذلك إطلاقا وليس بأمر ، كما أنّ قوله لأهل النّار : (اخْسَؤُا)(١) ذمّ وليس بأمر ، كما نقول لمن نذمّه : «إخسأ».
والأصل أنّ إرادة الصيغة قد وجدت ، وكذا وجد إرادة المأمور ، لكن لمّا لم توجد الإرادة الثالثة وهي إرادة دلالة الصّيغة على الأمر ، لم يكن أمرا.
وعن الرابع : المنع من الملازمة ، فإنّه لا يلزم من وجود الإرادة الّتي هي شرط وجود الأمر ، تحقّق المشروط ، فإنّ الأمر يعتبر فيه الرتبة والاستعلاء ، فإن عقل ذلك في الشخص نفسه ، فليعقل في الأمر.
وعن الخامس : انّا لا نستدلّ على الإرادة بالأمر من حيث كان أمرا ، بل من حيث إنّه على صيغة «افعل» وقد تجرّد ، لأنّ الصيغة موضوعة للإرادة عند بعضهم ، فكلام الحكيم يجب حمله على موضوعه إذا تجرّد.
وعندنا أنّ هذه الصّيغة جعلت في اللّغة طلبا للفعل ، فإذا بان لنا أنّه لا معنى لكونها طلبا للفعل ، إلّا أنّ المتكلّم بها قد أراده ، وأنّه هو غرضه ، علمنا بذلك الإرادة عند علمنا بالصّيغة.
وعن السادس : يجوز أن يكون قد تركوا ذكر الإرادة لظهورها.
وأيضا فإنّهم لم يشرطوا انتفاء القرائن ، والمخالف يشرط انتفاءها.
وأيضا فإنّهم أجمعوا على أنّ الأمر هو الطّلب للفعل ، ونحن نعلم اتّحاده مع الإرادة ، ولو فرضناه مغايرا لكان ذلك كلاما في المعقول لا في اللّغة.
__________________
(١) المؤمنون : ١٠٨.