والثاني هو الواجب على الكفاية ، والأمر يتناول الجماعة لا على سبيل الجمع ، وهو إنّما يكون إذا كان الغرض يحصل بفعل البعض ، كالجهاد المقصود منه حراسة المسلمين ، فمتى حصل بالبعض سقط عن الباقين.
والتكليف فيه موقوف على الظنّ ، فإذا ظنّ بعض (١) قيام غيرهم ، سقط عنهم ، وإن ظنّوا عدم قيامهم وجب عليهم.
وإن ظنّ كلّ منهم عدم قيام غيره ، وجب على كلّ واحد القيام به.
وإن ظنّ كلّ فريق قيام غيرهم ، سقط عن الجميع ، لأنّ تحصيل العلم بأنّ غيره هل يفعل ، غير ممكن ، بل الممكن الظنّ.
واعلم أنّ الواجب على الكفاية واجب على الجميع ، ويسقط بفعل البعض ، خلافا لقوم.
لنا : أنّ الإثم حاصل للجميع على تقدير الترك بالإجماع.
احتجّ المخالف بأنّ الواجب ما يستحقّ تاركه الذّمّ والعقاب ، وهذا التارك لا يستحقّ ذمّا ولا عقابا إذا فعله غيره ، فلا يكون واجبا عليه.
ولأنّ الواجب لا يسقط بفعل الغير.
ولأنّه كما أمر بواحد مبهم جاز أمر بعض مبهم.
ولأنّه تعالى أوجب النفور للتّفقّه في الدّين (٢) على بعض غير معيّن.
__________________
(١) المراد هو الجماعة.
(٢) إشارة إلى آية النفر ، التوبة : ١٢٢.