والجواب : المباح ليس عين ترك الحرام ، بل هو شيء يحصل به وبغيره ترك الحرام ، ولا يلزم من كون الترك واجبا ، أن يكون الشيء المعيّن الّذي يحصل به وبغيره الترك ، واجبا ، لتحقّق الترك بغيره (١).
اعترض : (٢) بأنّ ترك الحرام لا يتمّ إلّا بأحد أضداده الّتي من جملتها التلبّس بالمباح ، وذلك يستلزم وجوب أحد الأضداد غير معيّن قبل تعيين المكلّف له ، لكن لا خلاف في وجوبه بعد التعيين ، فما فعله المكلّف فهو واجب قطعا ، كما في الخصال ، ولا خلاص عنه إلّا بمنع وجوب ما لا يتمّ الواجب إلّا به. (٣)
وفيه نظر ، لإمكان ترك الحرام بنفي الفعل ، فإنّ الفاعل لا يجب أن يكون متلبّسا بالفعل أو بضدّه ، وقد ألزم بأمرين : أحدهما خرق الإجماع ، الدالّ على انقسام الأحكام إلى الخمسة ، الثاني كون الصلاة حراما إذا ترك بها واجبا آخر.
وله الجواب (٤) عن الأوّل بحمله على القسمة بالنسبة إلى ذات الفعل ، لا بالنسبة إلى ما يستلزمه. وعن الثاني بالتزامه ، ولا استبعاد فيه بالنظر إلى جهتين.
والتحقيق أن نقول : الواجب وغيره من الأحكام إمّا أن يعتبر على مذهب
__________________
(١) الجواب للرّازي في محصوله : ١ / ٢٩٩.
(٢) المعترض هو أبو الحسين الآمدي.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام : ١ / ٨٩ ـ ٩٠ لأبي الحسين الآمدي.
(٤) أي للرّازي أن يجيب عن الاعتراض الّذي أورده عليه الآمدي.