لاشتراطه بالإتيان بذلك النظر ، فلو وجب قبل الإتيان بذلك النظر ، لوجب عليه في وقت لا يمكنه أن يعلم كونه واجبا عليه ، وهو تكليف الغافل.
وإن حصل بعده وعند الإتيان بالنّظر ، حصل العلم بالوجوب ، فلو وجب عليه حينئذ تحصيل العلم بالوجوب ، لزم تحصيل الحاصل أو الجمع بين المثلين.
ولأنّ المجنون والغافل والنائم توجب أفعالهم الضّمان.
ولقوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى)(١) ، خاطب السّكران ، وهو غافل.
لأنّا نقول : الضرورة قاضية بأنّ القصد إلى الفعل ، مشروط بالعلم به ، والتكليف يستدعي طلب إيقاع الفعل من العبد ، طاعة وامتثالا للأمر ، بخلاف وقوع الفعل عن العبد اتّفاقا من غير قصد.
وأيضا ، الضرورة فرّقت بين تجويز إيقاع الفعل مرّة واحدة اتّفاقا ، وبين تكرّره ، واشتراط العلم في الثاني ، دون الأوّل.
ووجوب المعرفة عندنا ، عقليّ لا سمعيّ.
ووجوب النّظر ضروريّ ، أو قريب منه بأن يكون فطريّ القياس.
لا يقال : الأمر بالمعرفة ثابت بقوله تعالى : (فَاعْلَمْ)(٢) إلى غيره من الآيات ، وكون وجوب المعرفة عقليّا لا يدفعه (٣) ، وحينئذ يعود الإشكال.
__________________
(١) النساء : ٤٣.
(٢) محمّد : ١٩.
(٣) في «أ» : لا يرفعه.