لأنّ الفعل يقبل أن يصير مورد الكلفة ، وذيل الآية ـ أعني (ما آتاها) ـ يظهر منه بقرينة المورد المال ، فبقرينة المورد يستفاد أنّ المراد بالموصول هو المال ، فعلى هذا لا بدّ من التصرف إمّا في الصدر ـ أعني متعلّق التكليف ـ أو في الذيل ، فإن تصرفنا في الذيل فيكون معنى الآية والله أعلم : أنّه لا يكلّف الله نفسا فعلا إلّا ما أقدرها ، فتكون الآية دالّة على نفي التكليف بغير المقدور ، ولا وجه لأن يقال من أنّ التكليف بما لا طريق اليه كي يكون تكليفا بغير المقدور لفساده ، وأنّه رغم ذلك إلّا أنه مقدور ، فافهم.
وإن تصرفنا في الصدر فيكون المعنى : أنّه لا يكلّف الله نفسا مالا إلّا ما آتاها ، فتدلّ الآية على أن الله لا يكلّف بإنفاق المال إلّا بالمال الذي قد آتاها ، وهذا الاحتمال أقوى لشهادة صدر الآية ، لأن الآية في مورد الإنفاق ، لأنه قال عزّ من قال في صدر الآية : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ.)
ويحتمل أن يكون المقدّر هو التكليف ، بمعنى أنّه كان المعنى هو : لا يكلّف الله نفسا تكليفا إلّا ما آتاها ، أعني أعلمها ، فعلى هذا يصحّ الاستشهاد به ، ويكون المحذوف هو «تكليفا» ، ويكون مفعولا مطلقا.
ولكنّ هذا خلاف الظاهر ، واحتمال الثاني ـ وهو التصرف في الصدر بقرينة المورد ـ أقوى ، فعلى هذا لا يمكن الاستشهاد للمطلوب بالآية ، فافهم.
ومنها : قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً.)
وجه الاستدلال هو : أنّ بعث الرسول كناية عن بيان التكليف.
وقد أشكل الشيخ رحمهالله في الرسائل على الاستدلال بهذه الآية : بأنّ ظاهر هذه الآية هو الإخبار عن ما مضى ؛ لأنه قال : «كان» بلفظ المعنى ، فعلى هذا يكون راجعا الى الامم السابقة ، والمراد من العذاب هو العذاب الدنيوي ، فيكون المعنى : إنّا لا نعذّب الامم السالفة في الدنيا إلّا بعد بعث الرسول.