أمّا الصورة الاولى : أعني فيما لو كان الشك في أصل الوجوب ، بمعنى أنّه لا يدري ـ مثلا ـ بأن الارتماس في الماء موجب للكفّارة أم لا؟ والحال أنّه يعلم بأنّه على تقدير وجوب الكفّارة يكون مخيّرا بين الثلاثة المتقدمة ففي هذه الصورة لا إشكال في جريان أصالة البراءة ، ومقتضاه عدم وجوب شيء عليه ؛ لأنّه يكون الشكّ في التكليف فتجري أدلة البراءة ، وكذلك يجري أصل عدم الوجوب لأنّه لو لم تكن الكفّارة واجبة فيشك في أنّه هل يوجب وجود هذا الحادث وجوب الكفارة ، أم لا؟ فبمقتضى الاستصحاب يحكم بعدم الوجوب ، ومع كون مقتضى الاستصحاب هو عدم الوجوب ومقتضى البراءة أيضا عدم الوجوب لكن لا تبلغ النوبة الى البراءة ، لوجود أصل موضوعيّ وهو الاستصحاب ، وقلنا سابقا : إنّ مورد جريان البراءة هو فيما لا يكون أصل موضوعي ولو موافقا للبراءة في البين.
وأيضا فرق جريان البراءة والاستصحاب في المقام هو : أنّه لو نذر بأنّه لو وجب عليه واجب يفعل الفعل الكذائي فعلى هذا لو نحكم بعدم الوجوب بمقتضى البراءة فحيث إنّ البراءة لا تنفي إلّا العقاب ، ولا تنفي الوجوب ، ولا تثبت الإباحة فعلى هذا في المثال المتقدم عدم وجوب النذر محتاج لجريان براءة اخرى ؛ لأنّ الشبهة في الموضوع ، فلا يدري أنّ بسبب هذا الموضوع الخارجي وجب عليه شيء حتى يجب عليه الوفاء بالنذر ، أم لا؟ فحيث إنّ في الشبهات الموضوعية تجري البراءة فيحكم بعدم وجوب الوفاء بالنذر ، لكنّ صرف جريان البراءة في عدم وجوب الكفارة لا يكفي لذلك ، أعني لعدم وجوب الوفاء بالنذر ؛ لأنّ البراءة فيه لا تثبت عدم الوجوب ، بل قصارى ما تثبته هو عدم العقاب على ترك الكفّارة ، فلا بدّ من جريان أصل حكميّ في رفع وجوب الكفّارة ، وأصل موضوعيّ في رفع وجوب الوفاء بالنذر.
وأمّا على جريان الاستصحاب ـ يعني أصالة عدم الوجوب ـ فيكفي صرف جريان الاستصحاب في عدم الكفّارة لنفي وجوب الوفاء بالنذر ، لأنّ بالاستصحاب