ولا يمكن للشرع ولا للعقل الترخيص في الأطراف ؛ لأنّه لو رخّص الشرع فقد رخّص في ارتكاب مبغوض واقعي ، وكذلك العقل ، بل العقل يحكم بترك الأطراف مقدمة إرشادا ، كما أنّه يمكن للشارع الحكم بترك الأطراف مولويا.
وممّا قلنا ظهر لك حال الموافقة القطعية ، يعني المقام الثاني فلا بد من الموافقة القطعية. كما لا يجوز المخالفة القطعية ؛ لما قلنا من أنّ أثر العلم ذلك ، فكما أنّه لا بدّ من إحراز عدم المخالفة القطعية كذلك فلا بدّ من إحراز موافقة قطعية العلم بحكم العقل ، لأنّ بالعلم صار الواقع منجّزا فلا بدّ من إحراز حفظ الواقع ، فكما أنّه لا يجوز المخالفة القطعية في العلم الإجمالي كما بيّنا كذلك لا إشكال في وجوب الموافقة القطعية فيه ، وممّا مرّ ظهر لك أنّه لا يبقى إشكال في المسألة أصلا ، فافهم.
وعلى هذا فما قاله المحقّق الخراساني رحمهالله في القطع وفي هذا المقام أيضا من أنّ العلم الإجمالي حيث لا يكون فيه تمام الانكشاف فتكون مرتبة الحكم الظاهري فيه محفوظة ليس في محلّه ؛ لأنّه أمّا ما تعلق به العلم يعني المعلوم فليس فيه نقص في الانكشاف ، بل كشف تام ، كما في إناء زيد الذي تعلق به العلم ويكون مشتبها بين الأطراف ومنكشفا تمام الانكشاف ولا نقص في انكشافه. وأمّا الاطراف بعنوان المشكوك وإن كان يجري فيها الأصل وتكون مرتبة الحكم الظاهري فيها محفوظة إلّا أنّه كما قلنا : إنّ الذي نقول بتنجّزه ليس إلّا إناء زيد وهو معلوم ، وبعد معلوميّته وتنجّزه لا بدّ من إطاعته ، والعقل حيث يكون كيفية الإطاعة بيده يحكم بالاجتناب عن الأطراف مقدمة ، فالحكم الظاهري يجري في الأطراف ما لم يكن منافيا مع المعلوم ، ولا يمكن للشارع الترخيص للمناقضة ، فبعد حكم العقل بترك الأطراف بعنوان كونها مقدمة للمعلوم المنجّز فلا مجال للحكم الظاهري ولو كان بعنوان