وما يكون مورد الكلام هو : أنّه هل يمكن للشارع التصرف في حكم العقل وفي المقام الثاني ـ أعني في كيفية الإطاعة ـ بعد الفراغ عن أصل الثبوت ، أم لا؟
اعلم : أنّه لا إشكال في ذلك حتى في العلم التفصيلي أيضا ، فيمكن بعد ثبوت الحكم أن يتصرف الشرع في كيفية الإطاعة ، مثلا لو علم تفصيلا بوجوب صلاة الظهر فلا إشكال في تنجّزه ، فبعد ثبوته وتنجزه تكون كيفية إطاعته بعد ذلك بيد العقل ، فيحكم العقل بإحراز إتيانه ، ولكن مع ذلك يمكن للشارع أن يتصرف في هذا المقام ويحكم بكفاية الامتثال الظني أو الاحتمالي ، مع أنّ العقل مع قطع النظر عن هذا يحكم بلزوم الامتثال القطعي ، كما ترى أنّه لو خرج الوقت ولو أنّه يحكم العقل بلزوم الإتيان ولكنّ الشارع جعل قاعدة الفراغ وحكم بأنّه بعد الوقت يكفي الامتثال الاحتمالي ، فكما يعقل ذلك في العلم التفصيلي وقد وقع في الشرع كذلك يمكن ذلك في العلم الإجمالي أيضا ، فيمكن أن يتصرف الشارع في المقام الثاني ـ أعني في كيفية الإطاعة ـ ويكتفي بالامتثال الاحتمالي فيحكم بكفايته للمعلوم فيجوز ارتكاب بعض الاطراف.
كما أنّه يمكن للشارع أن ينصب طريقا لإثبات ما هو الواقع ، فيجعل البينة مثبتة لما هو الواقع ، مثلا لو قامت البينة بكون الخمر المعلوم بالإجمال في أحد الإناءين تنجّز التكليف بالاجتناب عنه ، ولا يلزم الاجتناب عن الإناء الآخر كذلك يمكن للشارع أن يكتفي بالامتثال الاحتمالي ، فعلى هذا لازم كفاية الامتثال الاحتمالي هو كفاية ترك أحد الإناءين وجواز ارتكاب أحدهما تعيينا أو تخييرا ، ولا يكون ذلك موجبا للتناقض ، إذ التناقض يلزم لو كان الترخيص في أصل الحكم وفي مرتبة ثبوته ـ مثلا ـ بعد ثبوت الحكم بحرمة الخمر يحكم بعدم حرمته.