والثالث : وهو إشكال دقيق يجب دقة النّظر فيه وهو ان ما قيل من ان المكلف الملتفت إلى الحكم إلخ. ما المراد من الحكم فيه فان كان المراد الحكم الفعلي فلا يمكن لأنه محال فالشاك في الحكم الفعلي لا يمكن ان يكون موضوعا لحكم فعلى لأن إحراز الموضوع قبل الحكم لازم والشاك في حال شكه لا يغفل ان يكون موضوعا للحكم الفعلي والفعلية تكون في رتبة متأخرة فلا يمكن أخذها في الموضوع وبعبارة واضحة الفعلية تأتى من قبل الجعل ووظيفة الأمارات والأصول هي صيرورة الواقع فعليا فإذا نظرت بدليل اعتبار الشك أو الظن يحصل لك حكم فعلى بجميع الجهات وان كان المراد الحكم الشأني فبعد العلم به والكشف عنه لا يحصل لنا تكليف فالعالم بوجوب الصلاة مثلا شأنيا لا يجب عليه الصلاة فلا فائدة لإثباته.
ثم هنا شبهة أخرى عويصة وهي ان المولى ان كان مراده بالاحكام الأحكام الواقعية مثل وجوب الصلاة فلأي وجه جعل الأمارة حتى يفوت الواقع.
وحل الإشكال هو ان المصلحة تارة تقتضي ان يجعل الواقع وان يبين بعده ما يكون بمنزلة الأسطوانة له لئلا يفوت على أي نحو كان فيجعل الاحتياط في مورده لشدة علاقته بالواقع مثل الفروج والدماء : وتارة تكون المصلحة في التقنين بما إذا لم يبلغ به أيادي الفاسدة ولم يمنع من إيصاله إلى الناس فهو وإلّا فيجعل الأمارة ولا مصلحة أكثر من ذلك ولو كان الاحتياط حسن في كل حال وهذا يقال له الفعلية من قبل الأمر ولا يكون فعليا حتى في ظرف الشك.
فإذا عرفت ذلك فيظهر لك الجواب عن الإشكال الثالث وهو ان يقال ان المراد بالحكم هو الفعلي لكن الفعلي من قبل الأمر وبالقطع يصبر فعليا من جميع الجهات للعبد وكذا دليل الأمارة والأصل كالقطع يتم الفعلية فلها رتبتان رتبة من قبل الأمر ورتبة من قبل المأمور والقول بان متعلق الشك يكون شأنيا لا وجه له أصلا كما مر الأعلى مسلك من قال بان العلم يكون متمما للفعلية والتنجيز فكلام الشيخ صحيح لأن المتعلق هو الحكم الفعلي والإنشاء لا فائدة تحته.