ردع الشارع بنحو من الأنحاء لأن النهي عن المنجزية وعن ما يكون ذاته النور محال اما المرتبة الأولى : وهي الانكشاف فلا تقبل المنع لأن مقتضاه وذاتيه الكشف فان مثله مثل من له العين ولا يكون له مانع عن الرؤية من الظلمة وعدم إرادة النّظر (١) وعدم الحائل بينه وبين المرئي فانه يرى لا محالة ويستحيل ان يقال أيها الناظر لا تر لأن الرؤية لا محالة يترتب عليه.
ومثل الماء فان من ذاتياته البرودة ولا يمكن نفى البرودة عنه لأن عدمها يكون عند عدمه وإلّا فما دام الماء موجودا فيلازم مع البرودة والقطع أيضا كذلك فما دام كونه موجودا لا يمكن رفع الكاشفية عنه نعم يمكن التشكيك في مقدماته ليصير القطع معدوما وبالنتيجة يرتفع اثره بارتفاعه أو بجعله ناسيا.
ثم للقطع بعد الكاشفية أثران وهو حسن المؤاخذة من جهة المولى عند المخالفة وحسن الموافقة وقبح المعصية من طرف العبد فالعقل إذا أدرك ذلك يحكم لا محالة بحسن العقاب والثواب ولا يمكن ردع الشارع إيانا عن هذا الأثر أيضا بقوله ان الموافقة قبيحة والعصيان حسن والفطرة تقضى بذلك وعلته هي ان العلماء قالوا ان العقل يكون منجزا وعباراتهم هنا مختلفة فبعضهم يعبر بالمنجزية وبعضهم بدرك العقل الحسن والقبح أو بحكمه بهما ولكن عباراتهم شتى والمعنى واحد فان مرجع الجميع إلى حسن الموافقة وقبح المؤاخذة ولا معنى لقول الشارع اجتنب عن الخمر إذا قال بعده ان المعصية لا منع منها فان معنى الردع هو الترخيص في الفعل وعلة الترخيص هي ان حكم العقل منجز وليس له حالة منتظرة وبعد المنجزية فالترخيص في الفعل لا يكون من دأب الشارع وبعبارة واضحة : الحكم العقلي على قسمين الأول ان يكون معلقا على امر من الأمور مثل العلم الإجمالي عند من يراه مقتضيا لا علة تامة لكشف الواقع فانه
__________________
(١) أقول هذا إشارة إلى ما هو التحقيق في باب الرؤية من انها تحصل بتوجه النّفس ولا يكفى عدم المانع ومقابلة المرئي كما نرى عدم حصول الرؤية بمجرد حصول سائر الشرائط وهو صدر الآراء الّذي هو رأى الملا صدرا الشيرازي قده.