المائع خمر وحرام ويشرب باعتقاد انه خمر فتبين كونه الخل أو الماء ويكون في مقابله الانقياد إذا اعتقد مثلا بوجوب شيء فأتى به باعتقاد الوجوب فتبين عدمه والمعصية تطلق على ما إذا كان الواقع أيضا مطابقا للاعتقاد كمن شرب الخمر الواقعي باعتقاد انه خمر والإطاعة تكون موافقة الواقع مع اعتقاد انه كذلك وقبل الورود في البحث يجب رسم مقدمة.
وهي : ان في الفلسفة العليا نزاع في ان الشارع مضافا إلى جعل الأحكام هل جعل قانونا للمجازات مثل ان يحكم بوجوب الصلاة وحرمة شرب الخمر وجعل قانونا بان من أطاعه يستحق الثواب ومن عصاه يستحق العقاب كما عليه الشيخ الرئيس علي بن سينا أو لا يكون كذلك بل يكون الحكم بالثواب والعقاب من العقل بعد إبلاغ الأمر أو النهي إلى المكلف وان كان من جهة امر فيكون إرشاديا فاستقلال الحكم كاف للحكم بهما بواسطة الموافقة والمخالفة.
ثم على مسلك من قال بقانون مجعول من الشرع فبحث التجري يكون خارجا عن محل النزاع لأنه لا شك في ان التجري لا يكون موجبا للعقاب لأن جعل قانون المجازاة يكون للإطاعة والعصيان والمتجري ليس بعاص ولا مطيع فانهم يقولون يجب على الله تعالى من باب اللطف جعل قانون المجازاة ليفهم الناس ويشوقهم بواسطة إلى العمل الّذي فيه الفائدة ويزجرهم عما فيه المفسدة وهذا الملاك يكون في المحرمات الواقعية والمحللات الواقعية واعتقاد ان هذا حرام لا يوجد مصلحة ولا مفسدة حتى يشمله القانون.
انما الكلام فيما إذا لم يكن مجعولا شرعيا وكان بحكم العقل والبحث في التجري على هذا الفرض يكون بمكان من الإمكان وموضوع حكم العقل إذا وجد فيحكم بلا احتياج إلى شيء آخر والبحث فيه تارة يكون من مسائل علم الكلام وتارة من مسائل علم الأصول وأخرى من مسائل علم الفقه. فان عنوان البحث بان التجري يكون موجبا لحسن العقاب اما لا يصير البحث كلاميا لأنه يبحث عن الحسن والقبح في الأشياء وان عنوان بأنه هل يوجب التجري في المتجري به عنوانا مخالفا