واما ان يقال بالكسر والانكسار كما قال صاحب الفصول رحمهالله أو القول بما هو مسلك المختار بان المصلحة تكون في رتبة لذات قبل الأمر وهي قبله صار سببا للحكم والمفسدة تكون بعد الأمر ان كان.
والحاصل ان الحسن يكون قبل الأمر في مرتبة الذات والقبح بعده مع إتيان العمل بنحو التجري فلا غرو في كون شيء واحد حسنا وقبيحا بلحاظين والمصلحة والمفسدة في الخارج أيضا يمكن اجتماعهما بلحاظين وحيثيتين.
فان قلت لا نحتاج إلى هذه التفاصيل بل يقال ان الصلاة موضوع حسن والتجري موضوع آخر قبيح ، قلت السرّ في التفصيل هو ان العنوان لا يكون مطلوبا بل بما هو حاك عن الخارج لا يمكن ان يلاحظ حسنها وقبحها والكلام في رفع إشكال التهافت في اللحاظ فعلى هذا قد ظهر ان الإشكال لا يبقى وارتفع بحذافيره من جهة الاجتماع في الوجدان أو الخارج.
الوجه الثاني : هو ان نقول ان الصلاة كانت فيها مصلحة موجبة للأمر والتجري وان كان قبيحا ولكن لا يوجد مصلحة ولا يصير منشأ للحكم والمصلحة والمفسدة الواقعيتان ربما لا تعلمهما مثل رمي الجمرة فلا نعلم ما هو المصلحة فيه ولا يلزم ان يكون كل ما يعقل انه قبيح ذا حكم فيمكن ان لا يكون التجري مصب النهي الشرعي.
ولتوضيح المقام وكشف السر عن المرام يجب زيادة تقرير وهو ان نقول مقدمة ان الحسن والقبح اللذين يصيران منشأين للحكم هما اللذان يكونان في سلسلة العلل لا المعلولات مثلا إكرام اليتيم وتقبيل يد المجتهد امران لهما مصلحتان وقابلان ان يصيرا منشأين المحكم وعلة له وضرب اليتيم وإهانة العالم امران قبيحان قابلان لأن يصيرا منشأين للنهي مثلا فرتبة المصلحة والمفسدة تكون قبل الحكم وعلة له.
واما ما كان معلولا مثل قبح التجري والمعصية فانهما يكونان بعد الحكم ومتأخران عنه فما لم يكن أمر ولا نهى لا يصدق المعصية أو التجري والإطاعة أو الانقياد ولذا نقول ان التجري قبيح عقلا ولا يستتبع الحكم شرعا فكل حسن وقبح لا يصير منشأ للحكم بل ما في سلسلة العلل يكون منشأ له دون المعلولات وإلّا يستلزم الدور.