فإذا عرفت ذلك فصلاة الجمعة الواجبة في الواقع المأتية بها بعنوان الحرام لا تكون المصلحة والمفسدة فيها متزاحمتين ومتصادمتين فالوجوب فيها يكون لمصلحة كامنة في نفس الصلاة ولا ربط لها بالقبح العقلي من جهة التجري وغير مربوط أيضا بعالم اللحاظ فبعض ما لم يحكم العقل بحسنه حكم الشارع بوجوبه مثل رمي الجمرة التي يقصر عقولنا عن درك مصلحته وبعض ما يستقل العقل بقبحه لا يلزم ان يحكم الشارع بحرمته مثل التجري.
وبعبارة واضحة هنا ثلاث احتمالات يحتمل التصادم في اثنين منها دون الآخر اجتماع الوجوب والحرمة والحسن والقبح وكلاهما فاسدان لأن الهتك في التجري لا يولد مفسدة حتى يصير سببا للحكم بالحرمة بل هو قبيح لا غير وقبحه لا يسرى إلى الخارج ومورد القبح العنوان الحاكي فلا يجتمع الواجب والحرام.
فنقول ان الهتك قبحه عقلي ومن الصفات الوجدانية ويكون بلحاظ اللاحظ والواقع غير مقلوب عن واقعه فما هو مركز الحسن هو الفعل الخارجي وما هو مركز القبح الوجدان الحاكي عن الخارج ولكن هذا عند شيخنا العراقي واما عندنا فالخارج في كليهما ظرف السقوط وما هو مركز الحسن أيضا يكون بعنوانه الحاكي عن الخارج واما صورة التصادم وهي التهافت في اللحاظ فقد قلنا ان الحسن والقبح الحاكيين عن الخارج وان لم يمكن إلّا انه يكون في رتبتين ولا يكون من باب الاجتماع ومبنى صاحب الفصول (قده) بالكسر والانكسار فاسد فقبح التجري لا يصير منشأ حكم ومصلحة الخارج لا تسرى إلى العقل.
الوجه الثالث : للجواب عن إشكال اجتماع الحكمين الضدين وتعرضنا لهذا الوجه يكون من باب التأسي بالأعلام وإلّا فلا جدوى له فان صاحب الفصول (قده) قال بتراكم المصلحة والمفسدة وهذا لا يصلحه تعدد الرتبة ولذا ذهب إلى حكم شأني بين الواقعي والفعلي وحاصله ان التجري يصير ذا أحكام خمسة فتارة يرجح مصلحة الواقع فتقدم وربما يرجح مصلحة التجري فتقدم والرجحان تارة يكون بنحو يوجب الحكم بالوجوب وأخرى بالاستحباب والقبح أيضا تارة يكون بحيث يوجب الحرمة