وثالثا : لو سلم كون عنوان التجري مولد مفسدة والالتفات إليه ممكن ولكن هذه العناوين المتأخرة عن النهي الشرعي ولا تكون سببا له كما ان الإطاعة والعصيان أيضا بعد رتبة الأمر أو النهي وفي رتبة الامتثال فان النهي عن شرب الخمر يكون قبل شربه فإذا شربه بعده يكون عاصيا وهكذا إتيان الصلاة مثلا بعد الأمر بها فلو لا الأمر لا معنى للإطاعة ولو لا النهي لا معنى للعصيان.
وبعبارة واضحة بعد الاعتقاد بأن ماء الرمان وصيرورته سببا للمفسدة لا يمكن للشرع ان يقول لا تشرب هذا المائع الّذي صار ذا مفسدة لأنه يلزم التسلسل أو اللغوية لأن التجري ان كان أثره إتيان خطاب لا تشرب فانه اما أن يشرب أولا فان عصى فيكون نهى آخر وهكذا وان أطاع ولم يشرب فيكون واجبا.
وبعبارة أوضح لو كان عنوان التجري منشأ للتكليف لا اختصاص بالتجري الأول فكلما عصى النهي يجيء نهى آخر وهكذا يتسلسل.
وبعبارة ثالثة بعد القطع بالخمرية واليقين بالنهي فاما أن يؤثر الأول أولا فان أثر فهو وإلّا فيصير الثاني أيضا لغوا لأن الآمر إذا رأى العصيان لا يمكنه النهي على من لا يسمع نهيه.
فتحصل ان التجري لا يكون قابلا لجعل الحكم عليه ومن هنا ظهر انه لا وجه بعد حسن الإطاعة وقبح التجري لما يقال من انه لا حاجة لنا لتوليد المصلحة والمفسدة فبعض الأحكام يكون على المستقلات العقلية وبالملازمة بين حكم الشرع والعقل يحكم الشرع بها فالعقل يستقل بقبح التجري فتكون الحرمة ثابتة بالملازمة ولا وجه لإتعاب النّفس لإيجاد المفسدة.
ومما قلنا ظهر ان هذا لا يصح اما للتسلسل أو للغوية فان استقل العقل بوجوب إطاعة أمر الصلاة فإذا جاء حكم آخر بإطاعة الأمر ثانيا فالامر الثاني أيضا يكون العقل مستقلا بإطاعته وهكذا فيتسلسل وان لم يكف الأول للبعث لا وجه للأمر ثانيا ولذا قيل لو كان أمر مثل أطيعوا الله في مورد حكم العقل فيكون إرشاديا محضا ولا يمكن ان يكون تعبديا.