الثالث الأحكام التي يكون وجودها الاتفاقي مورد غرض الشارع فان وصلت إلى شخص تكون واجب العمل وإلّا فلا.
ثم إطلاق حديث الرفع فيما لم يقم دليل على القسمين الأولين يحكم بالثالث فكل جاهل يجري البراءة ولو كان هذا النحو من الإطلاق مضرا بالغرض يجب أن يقيد الدليل وحيث لم يكن القيد نأخذ بالإطلاق فهذا الدليل لا يكفى في وجوب الفحص في الأحكام فضلا عن الموضوعات.
ثم انه لو سلمناه فكيف يفرض بين الموضوع والحكم بل الموضوع هو الأهم لأن الغرض من علم الناس بالاحكام هو العمل وما يوجب العمل هو الفحص عن الموضوع فإذا قلنا بعدم وجوب الفحص فيه يبطل الغرض من جعل الأحكام على الموضوعات ضرورة ان العلم لا يكون مثل العلم بصفات الباري تعالى الّذي يكون في ذاته المصلحة بل العلم بالاحكام يكون للعمل فتحصل انه لو تم هذا الدليل يشمل الحكم والموضوع ولو لم يتم لا يتم فيهما أيضا (١).
وقد يقرر الدليل على أصل وجوب الفحص بوجه آخر وهو ان الفحص عن الأحكام يكون من صغريات وجوب الفحص عن نبوة الأنبياء فكما أن استماع كلام مدعى النبوة مع المعجزة لازم بحكم العقل كذلك الفحص عما أتى به النبي أيضا واجب وإلّا يلزم لغوية بعثة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين فنحن بعد قبول النبوة لنا العلم الإجمالي بوجود أحكام في الشريعة يجب العمل عليه ولسنا كالبهائم وهذا العلم يوجب الفحص عن الأحكام بحيث لو ترك الفحص لا يكون لنا حجة عند المولى.
__________________
(١) أقول لا يلزم من عدم الفحص في الموضوعات خلاف غرض الجعل بعد كون أكثر الموضوعات مما هو مبين والافراد المشكوكة قليل فلو جرت البراءة فيها لا يضر بغرض الجعل.
بخلاف الأحكام فانها بمنزلة الكبريات فان من يعلم حرمة شرب الخمر يجتنب عن افراد كثيرة معلومة ولو لم يعلم هذا الحكم يرتكب افرادا كثيرة منه بخلاف من لا يعلم خمرية شيء مائع مشكوك.