وإنّما نصب عبد ربّ ؛ لأنّ من حقّ الكلام : هل أنت باعث دينارا فحمل على الموضع لا اللفظ (١).
ونظيره أنّ زيدا في الدار وعمرو ، فيرفع عمرو على موضع «أنّ» وما عملت فيه ؛ لأنّ ذلك موضع رفع ، ومثله مررت بزيد وعمرا ، وذهبت إلى خالد وبكرا.
وقال الشاعر :
جئني بمثل بني بدر لقومهم |
|
أو مثل أخوة منظور بن سيار |
ولمّا كان معنى جئني هات وأعطني وأحضرني مثلهم ، جاز العطف بالنصب على المعنى وهذا أبعد ممّا قلناه في الآية ، وبيّنا أنّ نصب الأرجل عطف على الموضع أولى من أن نعطفها على الأيدي والوجوه ؛ لأنّ جعل التأثير في الكلام القريب أولى من جعله للبعيد ؛ ولأنّ الجملة الأولى المأمور فيها بالغسل قد نقضت وبطل حكمها باستيناف الجملة الثانية ، ولا يجوز بعد انقطاع حكم الجملة الأولى أن يعطف عليها ، ويجري ذلك مجرى قولهم ضربت زيدا وعمرا وأكرمت خالدا وبشرا ، أنّ ردّ بشر في الاكرام إلى خالد هو وجه الكلام الذي لا يجوز غيره ولا يسوغ ردّه إلى الضرب الذي قد انقطع حكمه ، على أنّ ذلك لو جاز لرجح ما ذكرناه ؛ ليتطابق معنى القرائتين ولا يتنافيان ، وتحديد طهارة الرجلين لا يدلّ على الغسل كما ظنّه بعضهم (٢) ، وذلك لأنّ المسح فعل أوجبته الشريعة كالغسل ، فلا يمكن تحديده كتحديد الغسل ولو صرّح تعالى فقال : «وامسحوا أرجلكم وانتهوا بالمسح إلى الكعبين» لم يك منكرا ، فان قالوا : تحديد اليدين لمّا اقتضى الغسل ، فكذلك وجب تحديد طهارة الرجلين يقتضي ذلك.
قلنا : لم نوجب في اليدين الغسل للتحديد بل للتصريح بغسلهما وليس كذلك في الرجلين ، وقولهم : عطف المحدود على المحدود أولى وأشبه بترتيب الكلام قلنا : ليس بمعتمد ؛ لأنّ الأيدي معطوفة وهي محدودة على الوجوه
__________________
(١) الناصريات : ١٢٤.
(٢) أحكام القرآن (للجصّاص) ١ ، ٢ : ٣٤٦.