نفسه ولا يجد بدّا من غسلهما للتقيّة ، ولا فرق بين أن لا يتمكّن من فعل الوضوء على الوجه المفروض وبين فقد الماء أو الخوف على النفس من استعماله إمّا من عدوّ أو برد شديد ، وإذا فرضنا أنّ من هذه حاله يخاف أيضا من أن يتيمّم ، كخوفه من مسح قدميه ، جازت له الصلاة بغسل رجليه من غير مسح لهما ، وجرى مجرى من حبس في موضع لا يقدر فيه على ماء يتوضّأ به ولا تراب يتيمّم به (١).
[الثاني :] وقفت على كلام لأبي الحسن علي بن عيسى الربعي ينصر به أنّ القرآن دالّ على وجوب غسل الرجلين في الطهارة ، فلمّا تأمّلته وجدته كلام مخرم غير محقّق لما يقوله ، وكأنّه غريب من هذا الشأن بعيد منه أجنبي ، ومن لا يطيق على أمر فأستر عليه ترك الخوض فيه.
ولمّا لم يتمكّن من حمله القراءة بنصب الأرجل على الأيدي المغسولة ، عدل إلى شيء وجدت شيخه أبا علي الفارسي عوّل عليه ، لمّا أعياه نصرة إيجاب الغسل من الآية على صناعة الاعراب ؛ وهو وجه روي عن أبي يزيد الأنصاري أشدّ تهافتا وتقاربا من كلّ شيء اعتمد عليه في هذه الأية.
ونحن نبيّن ما في هذا الكلام الذي وقفنا عليه من الخلل والزلل بأوجز كلام ، وإن كان من اطّلع على كلامنا فيما كنّا أمليناه من مسائل الخلاف هو ما في هذه المسألة ، وما أوردناه أيضا قريبا من الكلام في ذلك.
وأيّ بحر (٢) هذا الكلام الذي وجدناه لهذا الرجل ولغيره في هذه المسألة كالقطرة بالاضافة إليه ، وأمكن من ضبط ذلك أن ينقض منه كلّ كلام سطر في هذه الأية أوله سطر ، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب.
قال صاحب الكلام : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المعوّل في ذلك أنّ من نصب قوله : (وَأَرْجُلَكُمْ) حمله على الغسل
__________________
(١) الانتصار : ٢٠ وراجع أيضا الناصريات : ١٢٠.
(٢) كذا في النسخة.