وعطفه على الأيدي ، لما كان المعنى عنده على الغسل دون المسح ، فحمل على النصب الذي يقتضيه قوله : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) ليكون على لفظ ما في حكمه في الوجوب من الأيدي التي حملت على الغسل. ولم يجرّ كما جرّ من قرأ (وَأَرْجُلَكُمْ) لمخالفته في المعنى ، فلذلك خالف بينهما في اللفظ.
الجواب : يقال له : يجب أن نبني المذاهب على الأدلّة على الاحكام ، فيجب أن نعتبر وجه دلالته ، فنبني مذاهبنا عليها ويكون اعتقادنا موافقا.
فقولك «ان من نصب الأرجل حمله على الغسل وعطفه على الأيدي لما كان المعنى عنده على الغسل دون المسح» طريق ، ولو لم يكن عند من ذكرت الغسل دون المسح بغير دلالته ، والقرآن يوجب المسح دون الغسل.
وأوّل ما يجب إذا فرضنا ناظرا منّا فلا يحكم بهذه الآية وما يقتضيه من مسح أو غسل ، يجب أن لا يكون عنده غسل ولا مسح ، ولا يتضيّق إليه أحدهما ، بل ينظر فيما يقتضيه ظاهر الآية وإعرابها ، فيبني على مقتضاها الغسل إن وافقه ، أو المسح إن طابقه. وكلامك هذا يقتضي سبلا من الغسل وأنّه حكم الآية حتى يثبت عليه إعراب الأرجل بالنصب ، وهذا هو ضدّ الواجب.
وقد بيّنا في مسائل الخلاف أنّ القراءة بالجرّ أولى من القراءة بالنصب ؛ لأنّا إذا نصبنا الأرجل فلا بدّ من عامل في هذا النصب ، فامّا أن تكون معطوفة على الأيدي ، أو يقدّر لها عامل محذوفا ، أو تكون معطوفة على موضع الجارّ والمجرور في قوله : «برءوسكم» ولا يجوز أن تكون معطوفة على الأيدي ، لبعدها من عامل النصب في الأيدي ؛ ولأنّ إعمال العامل الأقرب أولى من أعمال الأبعد.
وذكرنا قوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) (١) وقوله : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (٢) وقوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) (٣).
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية : ٩٦.
(٢) سورة الحاقة ، الآية : ١٩.
(٣) سورة الجن ، الآية : ٧.