يقولون : إنّ الجرّ أحسن وإنّ المسح أولى من الغسل ، لتجويز القراءتين جميعا بالمسح ، ولأنّ من نصب فقال : (وَأَرْجُلَكُمْ) يجوز في قوله أن يريد المسح فيها نصب للحمل على الموضع. والذي يجرّ (أَرْجُلَكُمْ) لا يكون إلّا على المسح دون الغسل ، وكيف لم يقولوا : إنّ المسح أو (١) الغسل ، لجوازه في القراءتين جميعا ، وانفراد الجرّ في قوله : (وَأَرْجُلَكُمْ) بالمسح من غير أن يحتمل غيره.
والقول (٢) في ذلك : أنّ حمل نصب «أرجلكم» على موضع الجارّ والمجرور في الآية لا يستقيم ، لمخالفته ما عليه بغير النبي (٣) بل في هذا النحو ؛ وذلك أنّا وجدنا في التنزيل العاملين إذا اجتمعا حمل الكلام على العامل الثاني الأقرب إلى المعمول فيه دون الأبعد ، وذلك في نحو قوله : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) (٤) ، حمل على العامل الثاني الأقرب الذي هو (أُفْرِغْ) دون الأوّل الذي هو (آتُونِي) ولو حمل على الأوّل لكان آتوني أفرغه عليه قطرا ، أي آتوني قطرا أفرغ عليه ؛ وكذلك : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (٥) أعمل (يُفْتِيكُمْ) دون (يَسْتَفْتُونَكَ) ولو أعمل الأوّل لكان يستفتونك قل الله يفتيكم فيها.
وكذلك قوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (٦) أعمل الأقرب من العاملين ، وهو «اقرءوا» ولو عمل الأوّل لكان هاؤم اقرؤه كتابيه.
فاذن كان حكم العاملين إذا اجتمعا على هذا الذي ذكرت من اعمال الثاني أقرب منهما إلى المعمول ، لم يستقم أن يترك حمل «الارجل» على البناء التي هي أقرب إليه ، ويحمل على الفعل لمخالفته ذلك ما ذكرت من الأي ، وانّ الأكثر في كلامهم : «خشنت بصدره وصدر زيد» بجرّ صدر المعطوف على البناء من حيث كان أقرب إليه ، وهذا مذهب سيبويه.
ثم قال : فإن قال قائل : إذا نصب «الارجل» فقال : (وَأَرْجُلَكُمْ) فقد حمل
__________________
(١) لعله : أولى من.
(٢) ظ : فالقول.
(٣) كذا في المطبوعة ولعلّه : بغير دليل.
(٤) سورة الكهف ، الآية : ٩٦.
(٥) سورة النساء ، الآية : ١٧٦.
(٦) سورة الحاقة ، الآية : ١٩.