أوما كان جائزا على جهة التقدير عند كلّ عاقل أن يعبّر الله سبحانه نصّا صريحا على أنّ حكم الأرجل المسح ، كما كان ذلك حكما للرؤوس ، وهل يدفع جواز ذلك إلّا مكابر لنفسه.
اللهمّ إلّا أن تدّعي أنّك علمت قبل نظرك في هذه الآية ، وما هو يوجبه في الأرجل من غسل أو مسح ، أنّ حكم الأرجل الغسل دون المسح ، فيثبت الآية على علمك.
هذا فقد كان يجب أن تبيّن من أين علمت ذلك حتى يثبت عليه حكم الآية ومتى ساغ لك أن تقول : إنّما يعمل العامل الأقرب بحيث يستقيم ولا يفسد؟ وكلّ هذا إخلال منك بما يلزمك.
فأمّا البيت الذي انشدته ، فليس من الباب الذي نحن فيه من ترجيح إعمال الثاني من العاملين دون الأوّل ، وانّما يتعلّق به من نصّ الإعراب بالمجاورة ، كما استشهدوا بقوله : «حجر ضب خرب» وبقوله :
«كبير أناس في بجاد مزمل» (١)
وقد بينا في مسائل الخلاف بطلان الإعراب بالمجاورة بكلام كالشمس وضوحا ، وتكلّمنا على كلّ شيء تعلّق به أصحاب المجاورة.
على أنّه قد خطر لي في قول الشاعر :
«كان غزل العنكبوت المرمل»
شيء ، وما رأيته لأحد ولا وقع لي متقدّما ، وهو أن يكون المرمل صفة العنكبوت لا للغزل ، ويكون من الرمل ؛ لأنّ العنكبوت ربّما ينسج بيته في رمل ؛ وانّما حملت العلماء على أنّه صفة للغزل من حيث ذهبوا في هذه اللفظة إلى أنّها من أرملت الثوب أو الحصى ، ورملته أيضا إذا نسجته ، والنسج لا يليق بالعنكبوت نفسه ، وإنّما يليق بغزله. وهذا التخريج يبطل أيضا تعلّق أصحاب المجاورة بهذا البيت.
__________________
(١) تقدم تخريجه.