ثمّ قال صاحب الكلام : والأوجه في الأية ـ والله أعلم ـ أن يحمل على الباء ، ويقرأ «وأرجلكم» ولا يحمل على «أغسلوا» ويكون المراد بالمسح الغسل لأمرين :
أحدهما : أنّه حكي عن أبي زيد أنّه قال : المسح أخفّ الغسل ، ومن ذلك تمسحت للصلاة ، فإذا كان كذلك فجاز الذي أوجبه قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) في من جرّ الغسل دون المسح.
ويؤكّد ذلك أنّ الثوري يروي عن أبي عبيدة في تأويل قوله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (١) أنّ المعنى يضرب ، يقال : مسح علاوته أي ضربها بالاعتماد الذي يقع باليد أو غيرها من آلة الضرب بالمضروب ، مثل الاعتماد الذي يقع على المغسول في حال الغسل باليد إذا كان الغسل بها ، وذلك فرق المسح الذي ليس بغسل.
ويؤكّد ذلك أيضا أنّه موقّت بغاية ، كما وقّت غسل اليد بها في قوله تعالى : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ).
والأخر : أن يكون قوله أي (امْسَحُوا) الذي يراد به المسح الذي دون الغسل كمسح الرأس ، والمراد به الغسل ، فأجرى الجرّ على الأرجل في اللفظ والمراد به الغسل ، وحمل ذلك لمقاربة المسح للغسل في المعنى ، ليكون الحمل على أقرب العاملين ، كالأي التي ذكرناها.
أمّا إذا كان أهل اللغة قد آثروا ذلك فيما لا يصحّ معناه إيثارا منهم للحمل على الأقرب ، فلمّا استعملوا ذلك فيما لا يصحّ في المعنى ، نحو
«كأن غزل العنكبوت المرمل»
حتى فيما يتقارب فيه المعنيان ؛ لأنّ المعاني إذا تقاربت وقع ألفاظ بعضها على بعض ، نحو قولهم : «أنبأت زيدا عمرا خير الناس» وأنبأت أفعلت من النبأ ،
__________________
(١) سورة ص ، الآية : ٣٣.