والنبأ : الخبر ، فلمّا كان الإنباء ضربا من الإعلام أجروا أنبأت مجرى أعلمت فعدّوه إلى ثلاثة مفاعيل ، كما عدّوا أعلمت إليها وكما جرى قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) (١) مجرى علموا في قوله :
«ولقد علمت لتأتين منيتي»
وذلك أنّ بدا لهم : ظهر لهم رأي لم يكونوا رأوه ، فهو بمنزلة علموا ما لم يعلموا.
وقد زعم أبو الحسن أنّهم قالوا : ما سمعت رائحة أطيب من هذه ، ولا رأيت رائحة أطيب من هذه ، وما رأيت كلاما أصوب من هذا ، فوضع بعض العبارة عن أفعال هذه الحواسّ مكان بعض ، لاجتماعهنّ في العلم بها ، وكذلك وضع المسح مكان الغسل ، لاجتماعه في وقوع التطهير بهما في الأعضاء ؛ والمراد بالمسح الغسل كما كان المراد بما سمعت رائحة ما شمّمت ولا رأيت كلاما ما سمعت ، فوقع كلّ واحد منهما في الاتّساع موضع الأخر ، لاجتماعهما في العلم على الوجه الذي علم به ذلك.
الجواب : يقال له : قد صرّحت في كلامك أنّ القراءة في الأرجل بالجرّ أولى وأرجح من القراءة بالنصب على موجبة العربية. وهذا صحيح مبطل لما يظنّه من لا يعرف العربية من الفقهاء ، إلّا أنّك لمّا أعيتك الحيل في نصرة غسل الأرجل من طريق الاعراب ، عدلت إلى شيء حكي عن أبي زيد الأنصاري من أنّ المسح غسل ، وهذا الذي عدلت إليه من أوضح الفساد من وجوه :
منها : أنّ معنى الغسل وحقيقته يخالف في اللغة وحقيقتها معنى المسح ؛ لأنّ الغسل هو إجراء الماء على العضو المغسول والمسح هو مس العضو بالماء من غير أن يجريه عليه ، فكأنّه قيل للماسح : ند العضو بالماء ولا تسله عليه. وقيل للغاسل : لا تقتصر على هذا القدر بل أسله على العضو وأجره.
__________________
(١) سورة يوسف ، الآية : ٣٥.