فالمعنيان متضادّان كما تراه ، وكيف يقال : إنّ أحدهما هو الاخر؟ بل ولا يصحّ ما يقوله الفقهاء من أنّ أحدهما داخل في الآخر ؛ لأنّا قد بيّنا تنافي المعنيين ، وما يتنافى لا يتداخل.
ولو جاز أن يسمّى على الحقيقة الماسح غاسلا ويدّعي دخول المسح في الغسل ، لوجب أن يسمّى من دفق إيجاد الكثير على بدنه وصبّه عليه انّه رشّ الماء على بدنه وتقطر الماء عليه ؛ لأنّ الدفق والصبّ يزيد على معنى الرشّ والتقطير ، ويوجب أن يكون من على رأسه عمامة طويلة ، يصحّ أن يقال : على رأسه تكة أو خرقة ؛ لأنّ العمامة تشتمل على هذه المعاني ، وقد علمنا أنّ أحدا لا يطيق ذلك ولا يجيزه.
ومنها : أن لو سلمنا اشتراك ذلك في اللغة ـ وإن كان غير صحيح على ما بيناه ـ لكان الشرع وعرف أهله يمنع من ذلك ؛ لأنّ أهل الشرع كلّهم قد فرّقوا بين المسح والغسل وخالفوا بينهما ، ولهذا جعلوا بعض أعضاء الطهارة ممسوحا وبعضها مغسولا ، وفرّقوا بين قول القائل : فلان يرى أنّ الفرض في الرجلين المسح وبين قولهم : يرى الغسل.
ومنها : أنّ الرؤوس إذا كانت ممسوحة المسح الذي لا يدخل في معنى الغسل بلا خلاف بين الأمّة عطفت الأرجل عليها ، فواجب أن يكون حكمها مثل حكم الرؤوس وكيفيته ؛ لأنّ من فرّق بينهما مع العطف في كيفية المسح ، كمن فرّق بينهما في نفس المسح ، وحكم العطف يمنع من الأمرين.
ألا ترى أنّ القائل إذا قال : قوم زيدا وعمرا ، وأراد بلفظ القوم التأديب والتثقيف ، لم يجز أن يريد بالمعطوف عليه إلّا هذا المعنى ، ولا يجوز أن يحمل قوم في عمرو على الصفة دون التثقيف ، وهو معطوف على ما قاله غير هذا الحكم ... (١)
ومنها : أنّ المسح لو كان غسلا أو الغسل مسحا ، لسقط أن لا يزال
__________________
(١) كذا في المطبوعة.