مخالفونا يستدلّون ويفزعون إليه من روايتهم عنه عليهالسلام أنّه توضّأ وغسل رجليه ، كأنّه كان لا ينكر أن يكون الغسل المذكور إنّما هو مسح ، فصار تأويلهم للآية على هذا يبطل أصل مذهبهم في غسل الرجلين.
فأمّا ما حكاه عن أبي زيد فهو خطأ بما بينّاه وأوضحناه والخطأ يجوز عليه.
فأمّا استشهاد أبي زيد بقولهم : «تمسّحت للصلاة» فقد روي عنه أنّه استشهد بذلك ، فالأمر بخلاف ما ظنّه فيه ؛ لأنّ أهل اللسان لمّا أرادوا أن يخبروا عن الطهور بلفظ مختصر ، ولم يجز أن يقولوا : «اغتسلت للصلاة» ؛ لأنّ في الطهارة ما ليس بغسل ، واستطالوا أن يقولوا : اغتسلت وتمسّحت ، قالوا بدلا من ذلك تمسّحت للصلاة ؛ لأنّ الغسل ابتداؤه المسح في الأكثر ، ثم يزيد عليه فيصير غسلا ، فرجّحوا لهذا المعنى تمسّحت على اغتسلت ؛ فانّه كان ذلك منهم تجوّزا وتوسّعا.
وأمّا الآية التي ذكرها ، فانّها لم يحسن أن يذكر كيفية الاستدلال بها على أنّ المسح قد يكون غسلا ، وجودته على وجه آخر لا طائل له فيه ، وأيّ فائدة له في أنّ ضرب العلاوة يسمّى مسحا أو [غيرها من آلة الضرب بالمضروب] في أنّ المسح غسل.
والذي عن أبي زيد من الإحتجاج بالأية على غير الوجه الذي ظنّه ؛ لأنّ أبا زيد يحكى عنه أنّه حمل قوله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (١) أنّه غسل أسوقها وأعناقها بالماء ، وقد أوردنا هذه الشبهة عن أبي زيد.
قلنا : إنّ أكثر المفسّرين قالوا : إنّ المراد غير غسل الاعناق والاسواق بل قال أكثرهم : إنّه أراد مسح يده على أعناقها وأسوقها ، كما يفعل الإنسان ذلك فيما يستحسنه من فرش وثوب وغير ذلك ، وقال قوم : إنّه أراد ضرب أعناقها وسوقها بالسيف ، وقال قوم : إنّه أراد غسل سوقها وأعناقها. وحمل الأية على ما هو حقيقة من غير توسّع ولا تجوّز أولى (٢).
__________________
(١) سورة ص ، الآية : ٣٣.
(٢) سيأتي تفصيل القول في ذلك ذيل الآية ٣٣.