وأمّا التعلّق في أنّ الأرجل مغسولة بالتحديد إلى الكعبين ، وإجراؤها مجرى الأيدي في الغسل لأجل التحديد ، فهو شيء يتعلّق به قديما الفقهاء ، وهو ضعيف جدّا ، وذلك أن عطف الأرجل في حكم المسح على الرؤوس ؛ لأنّه يجب أن يكون ضعيفا من حيث كانت الأرجل محدودة إلى غاية ، والرؤوس ليس كذلك ولا يجب أن يعطف على الأيدي لأنّها محدودة ، وذلك أنّ الأيدي بغير شكّ معطوفة على الوجوه ، لها مثل حكمها من الغسل ، وإلّا جاز أن يعطف محدود من الأرجل على غير محدود من الرؤوس.
والذي نقوله أشبه بتقابل الكلام وترتيبه ؛ لأنّ الأية تضمّنت ذكر عضو مغسول غير محدود ثمّ عطف عليه من الأيدي عضوا مغسولا محدودا ، فالمقابلة تقتضي إذا ذكر عضوا ممسوحا غير محدود أن يعطف عليه بعض ممسوح محدود بأن يعطف محدودا من أرجل على غير محدود من الرؤوس ، لتتقابل الجملتان الأولى والاخرى ، وهذا واضح جدّا.
فأمّا الكلام الذي طوّل بإيراده من تسمية الشيء بما يقارنه ، فهو ـ إذا صحّ وسلم من كل قدح ـ توسّع من القوم وتجوّز وتعدّ للحقيقة بغير شبهة.
وليس لنا أن نحمل ظاهر كتاب الله على المجاز والاتّساع من غير ضرورة ، وقد رضي القائلون بالمسح أن يكون حكم من أوجب بالأية غسل الرجلين ، حكم من قال : ما سمعت رائحة أطيب من كذا ، وحكم من قال : إنّها توجب المسح حكم [و] القائل : ما شممت رائحة أطيب من كذا ، فما يزيدون زيادة على ذلك.
على أنّ الذي حكاه عن الأخفش من قولهم : «ما سمعت رائحة أطيب من هذه» الأولى أن يكون المراد به ما سمعت خبر رائحة أطيب من كذا وحذف اختصارا. فهذا أحسن وأليق من أن يضع «سمعت» ، وقولهم : «ما رأيت أطيب من كذا» حمله على الرؤية التي هي العلم ؛ لأنّ [حمل] لفظ الرؤية على معنى مشترك أولى من حمله على «ما سمعت» ؛ لأنّ الحمل على ما ذكرناه يفسد حقائق هذه الالفاظ ، ويقتضي خلط بعضها ببعض.