وهذه جملة كافية فيما قصدنا ، والحمد لله رب العالمين (١).
[الثامن :] وممّا إنفردت به الإمامية القول بأنّ مسح الرجلين هو من أطراف الأصابع إلى الكعبين ، والكعبان هما العظمان الناتئان في ظهر القدم عند معقد الشراك ، ووافقهم محمد بن الحسن (٢) صاحب أبي حنيفة ، في أنّ الكعب ما ذكرناه وإن كان يوجب غسل الرجلين إلى هذا الموضع.
والدليل على صحة هذا المذهب ـ مضافا إلى الإجماع الذي تقدّم ذكره ـ أنّ كلّ من أوجب من الأمة في الرجلين المسح دون غيره يوجب المسح على الصفة التي ذكرناها ، وأنّ الكعب هو الذي في ظهر القدم ، فالقول بخلاف ذلك خارج عن الاجماع.
وأيضا فإن دخول الباء في الرؤس يقتضي التبعيض ؛ لأنّ هذه الباء إذا دخلت ولم تكن لتعدية الفعل إلى المفعول فلا بدّ لها من فائدة وإلّا كان إدخالها عبثا ، والفعل متعد بنفسه فلا حاجة به إلى حرف يعدّيه ، فلا بدّ من وجه يخرج إدخاله من العبث وليس ذلك إلّا إيجاب التبعيض ، فإذا وجب تبعيض طهارة الرؤس ، فكذلك في الأرجل بحكم العطف ، وكلّ من أوجب تبعيض طهارة الرجلين ولم يوجب استيفاء جميع العضو ذهب إلى ما ذكرناه ؛ وقد بيّنا في مسائل الخلاف الكلام على هذه المسألة واستوفيناه ، وأجبنا من يسأل فيقول : كيف قال الله تعالى : (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) وعلى مذهبكم ليس في كلّ رجل إلّا كعب واحد؟
قلنا : إنّه تعالى أراد رجلي كلّ متطهّر وفي الرجلين كعبان على مذهبنا ، ولو بني الكلام على ظاهره لقال : وأرجلكم إلى الكعاب ، والعدول بلفظ أرجلكم الى أنّ المراد بها رجلا كلّ متطهّر أولى من حملها على كلّ رجل ، وتكلّمنا على تأويل أخبار (٣) تعلّقوا بها في أنّ الكعب هو الذي في جانب القدم بما يستغنى هاهنا عن ذكره (٤).
__________________
(١) الرسائل ، ٣ : ١٦١.
(٢) المغني (لابن قدامة) ، ١ : ٢٤.
(٣) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٢ : ٢٣٧.
(٤) الانتصار : ٢٧ وراجع أيضا الناصريات : ١٢٠.