والذي يذهب إليه أصحابنا : أنّ التيمّم لا يكون إلّا بالتراب ، أو ما جرى مجرى التراب ممّا لم يتغيّر تغيّرا يسلبه إطلاق اسم الأرض عليه ، ويجوز التيمّم بغبار الثوب وما أشبهه إذا كان ذلك الغبار من التراب أو ما يجري مجراه.
وقال الشافعي : التيمّم بالتراب وما أشبهه من المدر والسبخ ، ولم يجز التيمّم بالنورة والزرنيخ والجص (١).
وقال أبو حنيفة : يجوز التيمّم بالتراب ، وكلّ ما كان من جنس الأرض ، وأجازه بالزرنيخ والكحل والنورة ، وأجاز التيمّم بغبار الثوب وما أشبهه (٢).
وقال أبو يوسف : لا يجوز التيمّم إلّا بالتراب أو الرمل خاصة (٣).
وأجاز مالك التيمّم بكلّ ما أجازه أبو حنيفة ، وزاد عليه بأن أجازه من الشجر وما جرى مجراه (٤).
دليلنا على صحّة مذهبنا : الإجماع المقدّم ذكره ، ونزيد عليه قوله تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) والصعيد هو التراب.
وحكى ابن دريد في كتاب (الجمهرة) عن أبي عبيدة معمّر بن المثنّى : أنّ الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ (٥).
وقول أبي عبيدة حجّة في اللغة.
والصعيد لا يخلو أن يراد به التراب أو نفس الأرض ، وقد حكي أنّه يطلق عليها ويراد ما تصاعد على الأرض.
فإن كان الأوّل فقد تمّ ما أردناه ، وإن كان الثاني لم يدخل فيه ما يذهب إليه أبو حنيفة ، لأنّ الكحل والزرنيخ لا يسمّى أرضا بالإطلاق ، كما لا يسمّى سائر المعادن من الذهب والفضّة والحديد بأنّه أرض.
__________________
(١) الام ، ١ : ٦٦ ، ٦٧.
(٢) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٤ : ٢٩.
(٣) نفس المصدر.
(٤) المغني (لابن قدامة) ١ : ٢٤٨.
(٥) جمهرة اللغة ، ٢ : ٦٥٤.