هو قوله تعالى : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) ودخول الباء إذا لم يكن لتعدية الفعل إلى المفعول لا بدّ له من فائدة وإلّا كان عبثا ولا فائدة بعد إرتفاع التعدية إلّا التبعيض.
وأيضا : فانّ التيمم طهارة موضوعها التخفيف ، فلا يجوز إستيعاب الأعضاء فيها كاستيعابها في طهارة الاختيار ، فلهذا كانت في عضوين ، وكانت الطهارة الأخرى في أربعة (١).
[الخامس :] وممّا انفردت به الإمامية القول : بأنّ التيمم إنّما يجب في آخر وقت الصلاة وعند تضيقه ، والخوف من فوت الصلاة متى لم يتيمّم وإن قدّمه على هذا الوقت لم يجزه. وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك (٢) ...
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرّر ، وأيضا فالتيمم بلا خلاف إنّما هو طهارة ضرورية ، ولا ضرورة إليه إلّا في آخر الوقت ، وما قبل هذه الحال لا يتحقّق فيه ضرورة ، وليس للمخالف أن يتعلّق بظاهر قوله جلّ ثناؤه : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) ، وأنّه لم يفرّق بين أوّل الوقت وآخره ؛ لأنّ الآية لو كان لها ظاهر يخالف قولنا جاز أن نخصّه بما ذكرناه من الأدلة فكيف ولا ظاهر لها ينافي ما نذهب إليه ؛ لأنّه جلّ ثناؤه قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ...) وأراد بلا خلاف إذا أردتم القيام إلى الصلاة ثم اتبع ذلك حكم العادم للماء الذي يجب عليه التيمّم ، فيجب على من تعلّق بهذه الآية أن يدلّ على أنّ من كان في أوّل الوقت له أن يريد الصلاة ويعزم على القيام إليها فانّا نخالف في ذلك ونقول : ليس لمن عدم الماء أن يريد الصلاة في أول الوقت ، وليس لهم أن يفصلوا بين حكم الجملتين ويقولوا : إنّ إرادة الصلاة شرط في الجملة الأولى التي أمر فيها بالطهارة بالماء مع وجوده ، وليست شرطا في الجملة الثانية التي ابتداؤها (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) وذلك لأنّ الشرط الأول لو لم
__________________
(١) الانتصار : ٣٢.
(٢) بداية المجتهد ، ١ : ٦٩.