وليس يمتنع أن يريد بإثمي ما ذكرناه ؛ لأنّ الإثم مصدر ، والمصادر قد تضاف إلى الفاعل والمفعول جميعا ، وذلك مستعمل مطّرد في القرآن والشعر والكلام.
فمثال ما أضيف إلى الفاعل قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) (١) ومن إضافته إلى المفعول قوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) (٢) وقوله تعالى : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) (٣).
وممّا جاء في الشعر من إضافته إلى المفعول ومعه الفاعل قول الشاعر :
أمن رسم دار مربع ومصيف |
|
لعينيك من ماء الشّؤون وكيف (٤) |
وفي الكلام : يقول القائل : أعجبني ضرب عمرو خالدا ، إذا كان «عمرو» فاعلا ، وضرب عمرو خالد إذا كان «عمرو» مفعولا.
وقد ذكر قوم في الآية وجها آخر : وهو أن يكون المراد : إنّي أريد زوال أن تبوء بإثمي وإثمك ؛ لأنّه لم يرد له إلّا الخير والرّشد ؛ فحذف «الزوال» ، وأقام «أن» وما اتّصل بها مقامه ؛ كما قال تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) (٥) أراد «حبّ العجل» فحذف «الحبّ» وأقام «العجل» مقامه ، وكما قال تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٦) ، وهذا قول بعيد ، لأنّه لا دلالة في الكلام على محذوف ، وإنّما تستحسن العرب الحذف في بعض المواضع لاقتضاء الكلام المحذوف ودلالته عليه.
وذكر أيضا وجه آخر : وهو أن يكون المعنى : إنّي أريد ألّا تبوء بإثمي وإثمك ، أي أريد ألّا تقتلني ولا أقتلك ، فحذف «لا» واكتفى بما في الكلام ، كما قال تعالى :
__________________
(١) سورة الحج ، الآية : ٤٠.
(٢) سورة فصلت ، الآية : ٤٩.
(٣) سورة ص ، الآية : ٢٤.
(٤) البيت للحطيئة ، ديوانه : ٣٩ ، وهو مطلع قصيدة يمدح فيها سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ؛ حينما كان واليا على المدينة. الشؤون : مجاري الدمع من الرأس إلى العين ؛ واحدها شأن ، وكيف : مصدر وكف ، أي سأل. وفي حاشية بعض النسخ : «يقول : أأن رسم دارا مربع ومصيف بكيت! والمربع والمصيف واردان مورد المصدر ، فلذلك عملا في رسم دار».
(٥) سورة البقرة ، الآية : ٩٣.
(٦) سورة يوسف ، الآية : ٨٢.