وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا كلّهم إلى أنّ قطع اليد من الرسغ ، والرجل من المفصل من غير تبقية قدم (١) ، وذهب الخوارج إلى أنّ القطع من المرفق ، وروى عنهم أنّه من أصل الكتف (٢) ، دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه بعد الإجماع المتردد ، أنّ الله تعالى أمر بقطع يد السارق بظاهر الكتاب ، واسم اليد يقع على هذا العضو من أوله إلى آخره ، ويتناول كلّ بعض منه ، ألا ترى أنّهم يسمّون كلّ من عالج شيئا بأصابعه أنّه فعل شيئا بيده ، قال الله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) (٣) ، كما يقولون فيمن عالج شيئا براحته : أنّه قد فعل بيده ، وآية الطهارة تتضمّن التسمية باليد إلى المرافق (٤) ، وليس يجري قولنا : «يد» مجرى قولنا : «إنسان» كما ظنّه قوم لأنّ الإنسان يقع على جملة يختصّ كلّ بعض منها باسم من غير أن يقع اسم إنسان على أبعاضها كما يقع اسم اليد على كلّ بعض من هذا العضو (٥) ، فإذا وقع اسم اليد على هذه المواضع كلّها ، وأمر الله تعالى بقطع يد السارق ولم ينضم إلى ذلك بيان مقطوع عليه في موضع القطع ، وجب الاقتصار على أقلّ ما يتناوله اسم اليد ؛ لأنّ القطع والاتلاف محظور عقلا ، فإذا أمر الله تعالى به ولا بيان ، وجب الاقتصار على أقلّ ما يتناوله الاسم. وأقلّ ما يتناوله الاسم وممّا وقع الخلاف فيه هو ما ذهبت الإمامية إليه.
فإن قيل : هذا يقتضي أن يقتصر على قطع أطراف الأصابع ولا يوجب أن يقطع من أصولها. قلنا : الظاهر يقتضي ذلك ، والإجماع منع منه ، فإن احتجّ المخالف بما يروونه من أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قطع من الكوع (٦) ، قلنا : هذا ما ثبت على وجه يوجب اليقين وإنّما هو من أخبار الآحاد ، ويعارضه ما رويناه ممّا يتضمّن خلاف ذلك (٧) ، وقد روى الناس كلّهم أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام قطع من
__________________
(١) المجموع ، ٢٠ ، ٩٧.
(٢) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٢ : ٤٢١.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٧٩.
(٤) الانتصار : ٢٦٢.
(٥) الذريعة ، ١ : ٣٥١.
(٦) سنن البيهقي ، ٨ : ٢٧٠.
(٧) الوسائل ، ١٨ : ٤٨٩.