فإن قال : دلّوا أولا ، على أن لفظة «وليّ» تفيد في الاستعمال ما ادّعيتموه من المتحقق بالتدبير والتصرف ، ثم دلّوا على أن المراد بها في الآية ذلك ؛ لأنّه قد يجوز أن يحتمل اللفظ في وضع اللغة ما لا يقصد المخاطب بها إليه في كلّ حال ، ودلّوا من بعد على توجّه لفظ «الذين آمنوا» إلى أمير المؤمنين عليهالسلام وأنه المتفرّد بها دون غيره.
قيل له : أما كون لفظة «وليّ» مفيدة لما ذكرناه فظاهر لا إشكال في مثله ، ألا ترى أنهم يقولون : فلان وليّ المرأة ، إذا كان يملك تدبير إنكاحها والعقد عليها ، ويصفون عصبة المقتول بأنهم أولياء الدم من حيث كانت إليهم المطالبة بالقود (١) والإعفاء ، وكذلك يقولون في السلطان : أنه وليّ أمر الرعيّة ، وفيمن يرشحه لخلافته عليهم بعده : أنه ولي عهد المسلمين؟
قال الكميت : (٢)
ونعم ولي الأمر بعد وليّه |
|
ومنتجع التقوى ونعم المؤدّب |
إنّما أرادوا ولي الأمر والقائم بتدبيره.
وقال أبو العباس المبرّد في كتابه المترجم ب «العبارة» عن صفات الله تعالى : «أصل تأويل الولي الذي هو أولى أي أحقّ ، ومثله المولى» وفي الجملة من كان واليا لأمر ومتحققا بتدبيره ، يوصف بأنه وليه وأولى به في العرف اللغوي والشرعي معا والأمر فيما ذكرناه ظاهر جدا.
فأمّا الذي يدلّ على أنّ المراد بلفظة «وليّ» في الآية ما بيّناه من معنى الإمامة ، فهو أنه قد ثبت أولا أن المراد ب (الَّذِينَ آمَنُوا) ليس هو جميعهم على العموم ، بل بعضهم ، وهو من كانت له الصفة المخصوصة التي هي إيتاء الزكاة في حال الركوع ؛ لأنّه تعالى كما وصف بالإيمان من أخبر بأنه ولينا بعد
__________________
(١) القود ـ بفتحتين ـ القصاص ، يقال : أقاد القاتل بالقتيل : قتله به.
(٢) هاشميته التي أولها :
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب |
|
ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب |