قال : «وهذا مثل الأول في أنه كلام في التفضيل ، ونحن نبيّن أن الإمامة قد تكون فيمن ليس بأفضل ، وفي شيوخنا من ذكر عن أصحاب الآثار أن عليّا عليهالسلام لم يكن في المباهلة ، قال شيخنا أبو هاشم : إنّما خصص صلىاللهعليهوآلهوسلم من تقرّب منه في النسب ولم يقصد الإبانة عن الفضل ، ودلّ على ذلك بأنّه عليهالسلام أدخل فيها الحسن والحسين عليهمالسلام مع صغرهما لما اختصّا به من قرب النسب وقوله : (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) يدلّ على هذا المعنى ؛ لأنّه أراد قرب القرابة ، كما يقال في الرجل يقرب في النسب من القوم : «إنه من أنفسهم» ولا ينكر أن يدل ذلك على لطف محلّه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وشدّة محبّته له وفضله ، وإنّما أنكرنا أن يدل ذلك على أنّه الأفضل أو على الإمامة ، ...» (١).
يقال له : لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دعي إليها ، وجعل حضوره حجة على المخالفين ، واقتضائها تقدّمه على غيره ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجة فيه إلّا من هو في غاية الفضل وعلوّ المنزلة ، وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة وأن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا إليها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، وأجمع أهل النقل وأهل التفسير على ذلك.
ولسنا نعلم إلى أي أصحاب الآثار أشار بدفع أمير المؤمنين عليهالسلام في المباهلة وما نظن أحدا يستحسن مثل هذه الدعوى ، ونحن نعلم أن قوله : (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لأنّه هو الداعي ، ولا يجوز أن يدعو الانسان نفسه ، وإنّما يصحّ أن يدعو غيره ؛ كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها ، وإذا كان قوله تعالى : (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) لا بد أن يكون إشارة إلى غير الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وجب أن يكون إشارة إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ لأنّه لا أحد يدّعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه عليهمالسلام في المباهلة ، وما نظن من حكى عنه دفع دخول أمير المؤمنين عليهالسلام فيها يقدم على أن يجعل مكان أمير المؤمنين غيره ، وهذا الضرب من الاستدلال كالمستغني عن
__________________
(١) المغني ، ٢٠ : ١٤٢.