تكلف إطباق أهل الحديث كافة على دخول أمير المؤمنين عليهالسلام في المباهلة (١) ، وإنّما أوردناه استظهارا في الحجّة.
وأمّا ما حكاه عن أبي هاشم من أن القصد لم يكن إلى الإبانة عن الفضل ، وإنما قصد إلى إحضار من يقرب منه في النسب ، فظاهر البطلان ؛ لأن القصد لو كان إلى ما ادّعاه لوجب أن يدعو العبّاس وولده ، وعقيلا إذ كان إسلام العبّاس وعقيل وانضمامهما إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم متقدّما لقصّة المباهلة بزمان طويل ؛ لأنّ المباهلة كانت في سنة عشرة من الهجرة ، لمّا وفد «السيد» و «العاقب» فيمن كان معهما من أساقفة نجران على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبين هذه الحال وبين حصول العباس وعقيل مع النبيّ مدّة فسيحة ، وفي تخصيص النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أمير المؤمنين بالحضور دون من عداه ممّن يجري مجراه في القرابة دليل على ما ذكرناه.
فأمّا تعلقه بدخول الحسن والحسين عليهماالسلام فيها من صغر سنّهما فمعلوم أن صغر السنّ ونقصانها عن حدّ بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل ، وإنّما جعل بلوغ الحلم حدّا لتعلق الأحكام الشرعيّة ، وقد كان سنّهما عليهماالسلام ، في تلك الحال سنّا لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقول ؛ لأن سنّ الحسن عليهالسلام كان في قصة المباهلة يزيد على سبع سنين بعدّة شهور وسنّ الحسين عليهالسلام يقارب السبعة ، على أن من مذهبنا أن الله تعالى يخرق العادات للأئمة ويخصّهم بما ليس لغيرهم ، فلو صحّ أن كمال العقل مع صغر السنّ ليس بمعتاد لجاز فيهم عليهمالسلام على سبيل خرق العادة ، وليس يجوز أن يكون المعنى في قوله تعالى : (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) قرب القرابة حسب ما ظنّ ، بل لا بدّ أن تكون هذه الإضافة مقتضية للتخصيص والتفضيل.
وقد عضد هذا القول من أقوال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في مقامات كثيرة بمشهد من أصحابه ما يشهد بصحة قولنا ، فمن ذلك ما تظاهرت به الرواية من أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ٣ / ٢١٢ و ٢١٣ ومعالم التنزيل للبغوي ٢ / ١٥٠ والدرّ المنثور للسيوطي ٢ / ٣٩ والترمذي ٢ / ١٦٦ و ٣٠٠ ومسند أحمد ١ / ١٨٥ ومستدرك الحاكم ٣ / ١٥٠. الخ.