فيجب أن يكون المراد بلفظ «ولي» في الآية ما يرجع إلى معنى الإمامة والاختصاص بالتدبير ؛ لأن ما يحتمله هذه اللفظة من الوجه الآخر الذي هو الموالاة في الدين والمحبة لا تخصيص فيه ، والمؤمنون كلّهم مشتركون في معناه ، وقد نطق الكتاب بذلك في قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (١) وإذا بطل حملها على الموالاة فلا بدّ من حملها على الوجه الذي بيّناه ؛ لأنّه لا محتمل اللفظة سواها ، وفيمن يستدل بهذه الآية على النصّ من يقول إذا طولب بمثل ما طولبنا به ـ وقد ثبت أن اللفظة محتملة للوجهين جميعا على سبيل الحقيقة ـ فالواجب حملها على المعنيين معا ؛ إذ هي محتملة لهما معا ولا تنافي بينهما ، وقد بيّنا فيما تقدّم أن هذه الطريقة غير سديدة ، ولا معتمدة.
ومنهم من يقول أيضا : إن ظاهر قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ) يقتضي توجه الخطاب إلى جميع المكلّفين مؤمنهم وكافرهم ؛ لأن أحدنا لو أقبل على جماعة فشافههم بالخطاب بالكاف يحمل خطابه على أنه متوجّه إلى الجميع ؛ من حيث لم يكن بأن يتناول بعضهم أولى من أن يتناول كلّهم ، وجميع المكلفين فيما توجه إليهم من خطاب القديم تعالى بمنزلة من شافهه أحدنا بخطابه ؛ لأنهم جميعا في حكم الحاضرين له فيجب أن يكون الخطاب متوجها إلى جميعهم ، كما توجه قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) (٢) وما أشبهه من الخطاب إلى الكلّ ، وإذا دخل الجميع تحته استحال أن يكون المراد باللفظة الموالاة في الدّين ؛ لأن هذه الموالاة يختصّ بها المؤمنون دون غيرهم ، فلا بدّ إذا من حملها على ما يصحّ دخول الجميع فيه ، وهو معنى الإمامة ووجوب الطاعة ، وهذه الطريقة أيضا لا تستمر ؛ لأنها مبنيّة على أنّ ظاهر الخطاب يقتضي توجهه إلى الكل وذلك غير صحيح ، غير أن صاحب الكتاب لا يمكنه دفع الاستدلال بهاتين الطريقتين على أصوله ؛ لأنّه يذهب إلى ما بنيتا عليه.
فأمّا الذي يدل على توجّه لفظة (الَّذِينَ آمَنُوا) إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فوجوه :
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ٧١.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٨٣.