وقد روي أنها نزلت في عبادة بن الصامت (١) لأنّه كان قد دخل في حلف اليهود ثم تبرّأ منهم ومن ولايتهم ، وفزع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : فأنزل الله تعالى هذه الآية مقوية لقلوب من دخل في الإيمان ، ومبيّنا له أن ناصره هو الله ورسوله والمؤمنون» (٢).
يقال له : ليس الأمر على ما ظنّه أبو هاشم من أن الآية تقتضي الصلاة والزكاة الواجبتين دون ما كان متنفلا به ؛ لأنها لم تخرج مخرج الصفة لما يكون به المؤمن مؤمنا ، وإنما وصف الله تعالى من أخبر بأنه وليّنا بالائتمام وبإقامة الصلاة وبإيتاء الزكاة ولا مانع من أن يكون في جملة من الصفات ما لو انتفى لم يكن مخلّا بالإيمان ، وإنما كان يجب ما ظنه أن لو قال : «إنما المؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة» ، فأمّا إذا كانت الآية خارجة خلاف هذا المخرج فلا وجه لما قاله ، ولا شبهة في أنه كان يحسن أن يصرح تعالى بأن يقول : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ) بعد ذكر نفسه تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم و (وَالَّذِينَ آمَنُوا) الذين يتطوعون بفعل الخيرات ويتنفلون بضروب القرب ويفعلون كذا وكذا مما لا يخرج المؤمن بانتفائه عنه من أن يكون مؤمنا ، هذا إذا سلّمنا ما يريده من أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة الواجبتين من شرائط الإيمان ، ومما لا يكون المؤمن مؤمنا إلّا معه ؛ والصحيح عندنا خلافه ، وليس يمكن أن يدّعى أن لفظ الصلاة في الشرع يفهم من ظاهره الصلاة الواجبة دون النفل ، وليس ادّعاء ذلك في الصلاة بجار مجرى ادعائه في الزكاة ؛ لأنا نعلم من عرف أهل الشرع جميعا أنهم يستعملون لفظ الصلاة في الواجب والنفل على حدّ واحد ، حتى أنّ أحدهم لو قال : «رأيت فلأنا يصلّي» و «مررت بفلان وهو في الصلاة» لم يفهم من قوله الصلاة الواجبة دون غيرها ، على أنا قد بيّنا قبيل هذا الفصل أن الذي فعله أمير المؤمنين عليهالسلام ليس بمنكر أن يكون واجبا ، وأن المستبعد فيه وفيمن علمنا من حاله ما علمناه
__________________
(١) عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي صحابي كبير شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد بعدها توفي بالرملة وقيل بالقدس سنة ٣٨ ه.
(٢) المغني ، ٢٠ : ١٣٨ مع اختلاف يسير.