قيل له : إنّما رددنا على من ذكرت من حيث لم يصحّ عندنا أولا إطباق الصحابة على الخبر المدّعى في الإجماع (١) ، ثم لما سلّمنا للخصوم ما يدّعونه من إطباق الصحابة أريناهم أنه لا حجّة فيه على مذاهبهم وأصولهم لأنّهم يجيزون على كلّ واحد منهم عقلا الغلط ، واعتقاد الباطل بالشبهة ، فلا أمان قبل صحّة ما يدّعونه من السمع من وقوع ما جاز عليهم ، وأبطلنا ما يتعلّقون به من عادة الصحابة في قبول الصحيح من الأخبار وردّ السقيم ، وبيّنا أنهم لم يقولوا في ذلك إلّا على دعوى لا يعضدها برهان ، وأنهم رجعوا في أن الخطأ لا يجوز عليهم إلى قولهم أو ما يجري مجرى قولهم ، وهذا لا يمنعنا من القطع على صحة ما يجمع عليه الأمة على مذاهبنا ؛ لأنا لا نجيز على كلّ واحد منهم الخطأ والضلال ، كما أجازوه من طريق العمل ، وإنما نجيزهما على من عدا الإمام ؛ لأن العقل قد دلّنا على وجود المعصوم في كلّ زمان ، ومنعنا من اجتماع الأمة على الباطل انما هو لأجله ، فمن يسلك طريقتنا يجب أن نمنعه من الثقة بالاجماع وتمسّكه به.
فإن قال : جميع ما ذكرتموه إنما يصحّ في متن الخبر أعني هو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» دون المقدمة (٢) المتضمنة للتقرير ؛ لأن أكثر من روى الخبر لم يروها والإطباق من العلماء على القبول واستعمال التأويل غير موجود فيها ؛ لأنكم تعلمون خلاف خصومكم فيها وإنشاد أمير المؤمنين عليهالسلام أهل الشورى لم يتضمّنها في شيء من الروايات ، ودليلكم على إيجاب الإمامة من الخبر متعلّق بها ، فدلّوا على صحّتها.
قيل له : ليس ينكر أن يكون بعض من روى خبر الغدير لم يذكر المقدّمة إلّا أن من أغفلها ليس بأكثر ممّن ذكرها ولا يقاربه ، وإنما حصل الاخلال بها من آحاد من الرواة ، ونقلة الشيعة كلّهم ينقلون الخبر بمقدّمته ، وأكثر من شاركهم من رواة أصحاب الحديث أيضا ينقلون المقدّمة ، ومن تأمّل نقل الخبر وتصفّحه علم
__________________
(١) أي الرواية المشهورة «لا تجتمع امّتي على ضلال».
(٢) يريد بالمقدّمة قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ألست أولى بكم من أنفسكم».