قال صاحب الكتاب : «واعلم أن المراد بالخبر ـ على ما ذهب إليه شيخانا (١) الإبانة عن فضل مقطوع به لا يتغير على الأوقات ؛ لأن وجوب الموالاة على القطع يدلّ على أن من وجب ذلك له باطنه كظاهره ، وإذا أوجب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم موالاته عليهالسلام ولم يقيّده بوقت ، فيجب أن يكون هذه حاله في سائر الأوقات ، ولو لم يكن هذا هو المراد لوجب أن لا يلزم سائر من غاب عن الموضع موالاته ، ولما وجب بعد ذلك الوقت عليهم موالاته ، وبطلان ذلك يبين أنّه يقتضي الفضل الذي لا يتغيّر ، وهذه منزلة عظيمة تفوق منزلة الإمامة ، ويختص هو بها دون غيره ؛ لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يبيّن في غيره هذه الحالة ، كما بيّن فيه ؛ ولأنّ الإمامة إنّما تعظم من حيث كانت وصلة إلى هذه الحالة ، فلو لم تكن هذه من أشرف الأحوال لم تكن الإمامة شريفة ، ودلّوا على أن المراد بمولى ما ذكروه بقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) (٢) وأن المراد بذلك موالاة الدّين والنصرة فيه ، وبقوله عزوجل : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (٣) وأنّ المراد بذلك النصرة في الدّين وبيّنوا أنّ الموالاة في اللغة وإن كانت مشتركة فقد غلب (٤) عرف الشرع في استعمالها في هذا الوجه ، قال الله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٥).
قالوا : ويدلّ على أن هذا هو المراد قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اللهم وال من والاه» ولو لم يكن المراد بما تقدّم ما ذكرناه لم يكن هذا القول لائقا به ، وقول عمر : «أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة» يدلّ على أن هذا هو المراد ؛ لأنّه ما أراد إلّا هذا الوجه ...» (٦)
يقال له : أمّا الدلالة الأولى التي رتّبناها وبيّنا كيفية الاستدلال بها فهي مسقطة لكلامك في هذا الفصل ، ومزيلة للاعتراض به ؛ لأنا قد بيّنا بما لا يتمكّن
__________________
(١) يعني بشيخيه أبا علي الجبائي وأبا هاشم الكعبي ، وقد تكرّر ذكرهما في الكتاب.
(٢) سورة محمّد ، الآية : ١٢.
(٣) سورة التحريم ، الآية : ٤.
(٤) في المغني «فقد علم».
(٥) سورة التوبة ، الآية : ٧١.
(٦) المغني ، ٢٠ : ١٤٦.