استطاعة إلقائه من أن تكون ثابتة ، والشيء في يده أو خارج عنها. فإن كانت ثابتة والشيء في يده ، فقد دلّ على تقديمها ، وهو الصحيح ؛ وإن كانت ثابتة والشيء خارج عن يده ملقى عنها ، فقد قدر على أن يلقي ما ليس في يده ، وهذا محال. وليس بين كون الشيء في يده وكونه خارجا عنها واسطة ومنزلة ثالثة.
وممّا يدلّ أيضا على أنّ الاستطاعة قبل الفعل ، أنّها لو كانت مع الفعل كان الكافر غير قادر على الإيمان ، ولما كان الإيمان موجودا منه على هذا المذهب الفاسد ، ولو لم يكن قادرا على الإيمان لما حسن أن يؤمر به ، ويعاقب على تركه ، كما لا يعاقب العاجز عن الإيمان بتركه ولا يؤمر به. ولا فرق بين العاجز والكافر على مذاهبهم ؛ لأنّهما جميعا غير قادرين على الإيمان ولا متمكنين منه.
قد قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) فشرط توجه الأمر بالاستطاعة له ، فلو لا أنّها متقدّمة للفعل وأنّه يكون مستطيعا للحجّ وإن لم يفعله لوجب أن يكون الأمر بالحجّ إنّما توجّه إلى من فعله ووجد منه. وهذا محال.
وقد بيّنا الكلام وأحكامها في مواضع كثيرة من كتبنا ، وفي هذه الجملة مقنعة (١).
[الرابع :] ويوصف تعالى بأنه «غنيّ» ، ومعنى ذلك أنّه حيّ غير محتاج ، ولا يجوز عليه الحاجة وهو تعالى غنيّ لنفسه ، ويوصف تعالى بذلك فيما لم يزل ولا يزال.
ولا يوصف تعالى بكلّ صفة يقتضي كونه محتاجا ونفي كونه غنيا ، كوصفه بأنه يسرّ ويفرح ويخاف ويرجو ويشفق ويفزع ؛ لأن ذلك يقتضي جواز اللذّة والألم عليه (٢).
ويوصف تعالى بأنه «كريم» على وجهين : بمعنى أنه عزيز ، كما يقولون «فلان يكرم عليّ» ، و «فلان أكرم عليّ من فلان» أي أعزّ عليّ منه. والوجه الآخر
__________________
(١) الرسائل ، ١ : ١٤٤.
(٢) الذخيرة : ٥٨٧.