بما يخبر به ، والأخبار بما لا يأمن المخبر أن يكون كاذبا فيه قبيح ؛ وفي حال كمال عقله ولزوم النظر لا بدّ من أن يلزمه التحرّز من الكذب ، وما جرى مجراه من القبح.
قلنا : عن هذا جوابان :
أحدهما : أنّه لم يقل ذلك مخبرا ، وإنّما قاله فارضا ومقدّرا على سبيل الفكر والتأمل ، ألا ترى انّه قد يحسن من أحدنا إذا كان ناظرا في شيء ومتأمّلا بين كونه على إحدى صفتيه ، أن يفرضه على إحداهما لينظر فيما يؤدي ذلك الفرض إليه من صحة أو فساد ، ولا يكون بذلك مخبرا في الحقيقة؟ ولهذا يصحّ من أحدنا إذا نظر في حدوث الاجسام وقدمها أن يفرض كونها قديمة ، ليتبيّن ما يؤدي إليه ذلك الفرض من الفساد.
والجواب الآخر : أنّه أخبر عن ظنّه ، وقد يجوز أنّه يظنّ المفكّر والمتأمّل في حال نظره وفكره ما لا أصل له ، ثمّ يرجع عنه بالأدلّة والعقل ، ولا يكون ذلك منه قبيحا.
فإن قيل : الآية تدلّ على أنّ إبراهيم عليهالسلام ما كان رأى هذه الكواكب قبل ذلك ؛ لأنّ تعجّبه منها تعجّب من لم يكن رآها ، فكيف يجوز أن يكون إلى مدّة كمال عقله لم يشاهد السماء وما فيها من النجوم؟
قلنا : لا يمتنع أن يكون ما رأى السماء إلّا في ذلك الوقت ؛ لأنّه على ما روي كان قد ولدته أمّه في مغارة خوفا من أن يقتله النمرود ، ومن يكون في المغارة لا يرى السماء فلمّا قارب البلوغ وبلغ حدّ التكليف خرج من المغارة ورأى السماء وفكّر فيها ، وقد يجوز أيضا أن يكون قد رأى السماء قبل ذلك إلّا أنه لم يفكّر في اعلامها ؛ لأنّ الفكر لم يكن واجبا عليه. وحين كمل عقله وحرّكته الخواطر فكّر في الشيء الّذي كان يراه قبل ذلك ولم يكن مفكّرا فيه.
والوجه الآخر في أصل المسألة : هو أنّ إبراهيم عليهالسلام لم يقل ما تضمّنته الآيات على طريق الشك ، ولا في زمان مهلة النظر والفكر ، بل كان في تلك